عادي
أول تجسيد لها في عمل غير كرتوني

«باربي».. فيلم وردي اللون عنصري الفكر

22:46 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

لا شك في أنك سمعت عن «باربنهايمر»، واستغربت هذا المسمى المنتشر على السوشيال ميديا، منذ ما قبل ظهور فيلمي «أوبنهايمر» و«باربي»، علماً بأنه لا جوامع مشتركة بين العملين ولا تشابه ولا ترابط، بل هي مجرد «مزحة» أطلقت على السوشيال ميديا، للدلالة على المنافسة الحامية التي ستشهدها الصالات عند بدء عرض الفيلمين، باعتبارهما من أقوى ما تقدمه كل من شركتي يونيفرسال (أوبنهايمر) وورنر بروس (باربي) هذا العام، والجمهور ينتظرهما بشغف؛ لكن من يشاهد العملين، يفهم أن هناك شيئاً مشتركاً يجمع بينهما، وهو أكبر من مجرد منافسة بين شركتين، لاجتذاب أكبر عدد من المشاهدين، فللفيلمين تأثير غريب على الجمهور يجعلك تخرج من الصالة معجباً بالصناعة، وفي نفس الوقت حائراً بين القبول والرفض للأفكار الصريحة والمبطنة التي يقدمها كل فيلم، الحرفية عالية لكن الرسالة ملغومة، وأنت تجوجل الأفكار، لتعرف ما الذي يريده منك هذا وذاك، خصوصاً فيلم «باربي» الذي نستعرض تفاصيله في هذه السطور بعد وصوله إلى صالاتنا.

أكثر ما تستغربه، أن يتم تصنيف فيلم «باربي» لمن هم في سن ال 12 أو حتى 15 عاماً وما فوق، بينما المعروف أن الدمية الأشهر في العالم كانت ولا تزال حلم كل طفلة تعيش معها مراحل الطفولة المبكرة، خصوصاً أن باربي ليست دمية عادية، بل هي وجدت لتجسد الجمال المثالي للأنثى، وهي في غاية الأناقة وتعيش حياة الثراء والرفاهية.. ولأول مرة يتم تجسيدها في عمل سينمائي غير كرتوني، فلماذا التصنيف؟ وكيف تحوّلت باربي من حلم طفولة إلى حملة هوليوودية مناهضة للمرأة مستهينة بالرجل؟

الصورة

بداية، ومع انطلاق الأخبار عن تحويل الدمية إلى فيلم، وانتشار مقاطع «التريلر» للقطات من العمل، أحببنا الفكرة، وتحمسنا لها وانتظرنا بشوق موعد العرض قبل أن نبدأ في تلقي ردود الفعل الآتية من الدول التي سبقتنا إلى عرض الفيلم، فازددنا فضولاً لمعرفة ما سبب هذه البلبلة، ولماذا نسمع أصواتاً متناقضة، منها من يشيد بالفيلم ومنها من يعتبره محرضاً ضد «الأبوة» والرجل ومقللاً من شأنه ومنحازاً بشكل عنصري للمرأة؟ وما زاد من حماستنا للمشاهدة أن مخرجته وكاتبته جريتا جيرويج وشريكها في الحياة وفي النجاح المهني وفي كتابة هذا الفيلم نواه بومباخ، لكن من الواضح أن حماسة جريتا لمناصرة المرأة برزت كثيراً وبشكل مستفز للرجل في الفيلم، ما جعل «باربي» فيلماً وردي اللون عنصري الفكر.

تنطلق الأحداث من «عالم باربي»، كل شيء مصنوع من بلاستيك، بيت باربي والشوارع وسيارتها والشاطئ والبحر بأمواجه والمطبخ وأدواته والحمام وخزانة الملابس، والسرير والشرفة والمتجر والمحال وورشة البناء والشمس والقمر والفضاء.. باستثناء باربي ومجموعتها، كما نعرف فكل إصدار جديد من الدمية أياً كانت وظيفتها ولون بشرتها ومهما تبدلت ملابسها ومهنتها، إلا أن اسمها لا يتغير، لذا تجد كل المجموعة الأنثوية تحمل اسم باربي والذكورية تحمل اسم «كين» الذي انطلق من دمية واحدة ابتكرتها شركة ماتيل، ليكون صديق باربي.. إذاً كلهن باربي وكلهم كين باستثناء شاب واحد اسمه ألن وهو الرفيق الدائم لكين، وتلك الشخصيات مجسدة من لحم ودم طبعاً تؤدي الشخصية الرئيسية «باربي النموذجية» وبجدارة وتميز النجمة مارجوت روبي، وكين هو النجم راين جوسلينج، بينما يشارك كضيفي شرف النجمين جون سينا بدور كين، ملك البحر وويل فيريل بدور رئيس مجلس إدارة شركة ماتيل، ولا ننسى أن استعانة شركة الإنتاج والمخرجة بأسماء مثل تصميم الأزياء جاكلين دوران (الحائزة جائزة الأوسكار) وسارة جرينوود (المرشحة ست مرات لجائزة الأوسكار) لتصميم الأزياء هو اختيار ذكي منح العمل الكثير من الإبهار بالألوان وجعل الجمهور يشعر بأنه يعيش داخل عالم باربي فعلياً، كذلك المصور السينمائي رودريغو برييتو (مرشح الأوسكار ثلاث مرات) منح الصورة بريقاً يليق بأيقونة الدمى الأسطورية باربي.

باربي النموذجية

في عالم باربي الشخصيات تمشي وتتكلم وتتحرك لكن كل ما تفعله هو خيالي، أي لا ماء يتدفق فعلياً ولا وجود لطعام أو شراب.. إلى أن تستيقظ باربي النموذجية في أحد الأيام، لتكتشف أنها لم تلامس بقدميها الأرض وهو أمر غريب، ثم تشعر ببرودة المياه عندما تستحم، كما تفكر بالموت ما يعني أن خللاً ما حصل لها، لذلك تتجه إلى باربي «الغريبة» كي تفهم ما الذي يحصل، وما هو الحل كي تعود «نموذجية»؛ فتنصحها «الغريبة» بأن تنتقل إلى العالم الحقيقي بحثاً عن الفتاة التي فكرت بباربي وفكرت بالموت فاستطاعت أن تؤثر في باربي وتغير من تركيبتها.. هكذا تسافر باربي ويقرر كين أن يسافر معها فيكتشفان العالم الحقيقي وتبدأ الصدمات تتوالى عليهما من جهة وعلى الجمهور من جهة ثانية.

لن ندخل في تفاصيل رحلة باربي وكين ولقائها بالأم جلوريا (أميركا فيريرا) التي كانت السبب في هذا التحول، وابنتها ساشا (أريانا جرينبلات)، ووصول باربي إلى شركة ماتيل ولقائها بمن ابتكرتها بالأساس روث هاندلر (ريا بيرلمان) وأرادت المخرجة أن تكون روث مقيمة في غرفة صغيرة أسفل الشركة، كدلالة على وجود روح روث في هذا المكان رغم رحيلها عام 2002. إنما سنتوقف عند دلالات كثيرة أرادت جريتا جيرويج إبرازها بشكل يستفز من يلتقط الإشارات والمعاني، ففي عالم باربي، هناك رئيسة وكل المناصب القيادية والمسؤوليات والوظائف تتولاها نساء، بينما يقتصر دور الرجل على محاولة نيل رضا باربي، ولفت انتباهها وعرض العضلات وتنشب منافسات بين كين (راين جوسلينج ذو الشكل الأمريكي) وكين (ذو الشكل الصيني ويجسده سيمو ليو) لنيل إعجاب باربي النموذجية.. كلهن نشيطات جميلات بارعات ذكيات، وكلهم تافهون منشغلون بأشكالهم وعرض عضلاتهم.. لكن هل الوضع مشابه في العالم الحقيقي من وجهة نظر الكاتبة والمخرجة؟

ضعف المرأة

حين تنتقل باربي ويتبعها كين إلى العالم الواقعي، يكتشف أن الرجل هو المسيطر على المناصب، من رئيس للجمهورية إلى رئيس مصرف، إلى كاوبوي إلى طبيب وصاحب رأس مال.. وتصطدم هي بضعف المرأة، وبأن مجلس إدارة شركة ماتيل ومن يقررون كيفية تطوير باربي وعالمها رجال لا يأخذون برأي المرأة، بعدما رحلت عنها مؤسستها روث! اللافت والمستغرب، أن زوج جلوريا ووالدة ابنتها ساشا هو أب تافه، لا دور له بل لا لزوم له رغم مروره في مشهدين يبدو فيهما منشغلاً بتعلم لغة جديدة، حتى أن ساشا تسأل والدتها «كيف سنسافر إلى عالم باربي بلا والدي؟» فتجيبها بأنه لن يلاحظ، وبأسلوب يؤكد تفاهة هذا الرجل! وكل ما تعلمه كين من العالم الواقعي هو كيفية السيطرة، ليسترد حقوقه في عالم باربي ويسيطر هو ورفاقه على كل شيء ويسلب من المرأة كل سلطة وكل ما تملكه حتى بيتها، ويحول كل النسخ الموجودة من باربي إلى ما يشبه الجاريات كل هدفهن إرضاء الرجل وغروره، ثم تتآمر باربي على كين كي تتمكن من «إعادة الحياة إلى طبيعتها»، وتستعيد هي سيطرتها فتخلق فتنة بين كين الأمريكي وكين الصيني وتندلع الحرب.

مجموعة دروس ومواعظ عن «العالم الذكوري»، وما يسمونه «النظام الأبوي»، وعن الظلم الذي تتعرض له المرأة في الحياة وعن حقوقها.. تطرف وعنصرية تلمسهما طوال الفيلم، وربما أرادت المخرجة أن تعيد التوازن بين الجنسين في النهاية، لكنها أتت بلمحة أو جملة واحدة، لذا يمكن القول إن الفيلم غير عائل.

روث ووالداها

روث هاندلر هي سيدة أعمال أمريكية، أسست مع زوجها إليوت شركة ماتيل التي بدأت بصناعة المفروشات للألعاب ثم تحولت إلى شركة ألعاب وهي من ابتكرت الدمية باربي، وأطلقتها عام 1959 ومنحتها اسم باربي على اسم ابنتها باربرا، كما صنعت لها رفيقاً لاحقاً أسمته كين على اسم ابنها كينيث. باربي هي أول دمية تهتم بالأزياء وتتخذ شكل امرأة لا طفلة صغيرة، وأتبعتها شركة ماتيل ومؤسستها ورئيسة مجلس إدارتها روث بمجموعة كبيرة من الأكسسوارات، وبقيت لعقود الدمية الأجمل، وهي وكين الأكثر مبيعاً في العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ktpeyd3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"