في الرد على الأكاذيب

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

الأكاذيب ركن ركين في السياسة، عليها تنهض دول كاملة ولا تتورع عن انتهاج كل سبيل لترويجها، بل وتتبجح في الدفاع عنها. وكم من نظام سياسي طال ارتباطه بالأكاذيب وابتدع مدرسة في الإلحاح عليها والدعاية لها، حتى استقرت لزمنٍ قبل أن يكشف توالي الأيام حقيقتها. ربما كان ذلك ملائماً لظروف عصور مضت كانت فيها المعلومات تسري بين أطراف العالم ببطء شديد ويحتاج تبيّن صحيحها من زائفها زمناً، قد يطول في غياب التقنيات الرابطة بين أطرافه وتفرد بعض القوى بامتلاك وسائل الإعلام المتقدمة بمعايير وقتها. مع وفرة هذه الوسائل وتنوعها ورخصها، بالمعنيين المادي والقيمي، اتسعت مساحة الكذب وبث الشائعات وصار رأس مال دول بأجهزتها المختلفة، وجماعات ضغط وابتزاز لحساب نفسها أو من يوظفها ويقف خلفها. ومن عجبٍ، رغم شيوع وسائل التحقق والتدقيق، أن تجد دول نفسها مضطرة إلى الوقوف في وجه بعض الأكاذيب. هذا الاضطرار قد يكون ظرفاً طارئاً محكوماً بوقائع بعينها، وقد يستلزم من بعض الدول جهداً يومياً حثيثاً حتى يكاد يشغلها عن بث رسائلها الأساسية للداخل والخارج.

ولا خلاف على أن بعض الإعلام بوسائله المتنوعة، قديمها وجديدها، من أدوات حمل الأكاذيب والضلال، بل إن قنوات ووسائط بعينها في العالم أصبحت قرينة النهج الكاذب ولساناً ممدوداً بالأذى لدول وأقاليم وسياسات تتصور نفسها، من فرط صدقها ووضوحها، بعيدة عن الاستهداف والتجنّي. وإن كان حُسن النوايا لا يعصم على مستوى الأفراد من الأذى، فإنه على مستوى الدول كذلك لا يحمي من سهام الافتراء، بل إن الأكاذيب تصبح أعلى صوتاً من جلاء السياسات وصدق المستقر من سبل التعاطي مع القضايا. وذلك يفرض على كل دولة «تسليح» منهجها بما يلزم من أدوات إعلامية لا تقتصر وظيفتها على التصدي للأكاذيب والافتراءات، بل الإصرار على نقل الحقيقة كما هي والقبض على جمرها؛ لأنها الأحق بالبقاء والأقدر على التصدي لكل محاولات التشويش.

تزداد أهمية هذا التوجّه في حال الدول التي تزعج المتربصين بها بحكمتها وسعيها لإرساء قيم السلام والتعايش في العالم، فمن يعتاشون على الكذب وتجارته الممنهجة لا تعنيهم هذه القيم، بل إن تبديدها يراكم مكاسبهم. التصدي الظرفي لكذبة من هنا أو هناك لا يغني عن إعلام رصين قوي، فلا يكفي الرهان على عقلاء يمكنهم أن يميزوا الخبيث من الطيب، فهؤلاء قلة قد يكون صوتها خافتاً وسط صخب مؤسسات احتراف الكذب. ورصانة الإعلام وقوته في كل دولة تأتيان ابتداء من نهجها، لكنهما تتعززان باحترافيته وقدرته على المبادرة والمبادأة، وليس بالوقوف في خانة رد الفعل.

قد لا يكون مجدياً إضاعة الوقت في الرد على الشائعات، مهما كثرت وتعددت المصادر، فذلك إنفاق للجهد في غير موضعه. الأوجب، مرة ثانية، تعضيد الإعلام وعصرنته حتى يكون صوتاً حقيقياً يعلو على الأكاذيب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/28esb8kt

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"