مفارقات تجارة الاستحماق

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

هل صار الضحك من الذقون نظريةً استراتيجية؟ ولمَ لا يكون أيضا ثقافةً استراتيجية؟ الاستغباء يستحق فصلاً كملحق مهمّ يضاف إلى كتاب «فن الحرب» للجنرال الصيني صن تزو. الخبير الذي عاش قبل ستة وعشرين قرناً، لا تزال خططه ووصاياه تُطبّق بحذافيرها، ولا تزال ألعاب الدومينو المترتبة عليها تتداعى لها الدول.

قد يظنّ البعض أن العقول الاستراتيجية في بلدان عربية منكوبة لم تقرأ الكتاب أو أنها قرأته كالماسحة الضوئية. غير بعيد أن أولئك نظروا إليه شزراً حين علموا أن مؤلفه من أهل القرن السادس قبل الميلاد، فاستقرّ في سلّة المهملات. جوهرة الكتاب هي: «إن أعظم نصر تحققه هو أن تجعل العدو يهزم نفسه بنفسه». أمامك أحداث التاريخ العربي الحديث، فدونك.

خطورة هذه الخدعة الاستراتيجية هي أنها لا تنطلي على أحد إذا لم تقم على المنطق، ولم يكن المنطق واجهتها وظاهرها. «فن الحرب» يمكن أن يكون عنوانه الآخر: «فن الخدعة الحربية». في هذا المجال يوصي بأن تُظهر نفسك ضعيفاً من حيث الإمكانات والإدارة والقدرات، لتشحن غرور العدو وصلافته، إلى أن يُلقي بنفسه عليك فيتهشّم. الفخّ هو ذلك التغليف المنطقي البارع للخدعة. لقد شهد العالم كله على انجراف العالم كله في زحليقة مكافحة الإرهاب. لكن تأمل كيف يلتذّ الفاعل بحلاوة ثمار الاستغباء، فالسيدة هيلاري كلينتون اعترفت في كتاب لها، قالت: «نحن الذين صنعنا القاعدة وداعش». من يجرؤ على إثارة التوابع والزوابع؟ كلّ من يتجرّأ تُلقمه المقولة الشهيرة حجراً: «القانون لا يحمي المغفلين»، فما على هؤلاء إلاّ إلحاق أنفسهم بكتاب ابن الجوزي: «أخبار الحمقى والمغفلين». عُد إلى حلقات التراجيكوميديا في مسلسل الربيع العربي، فحجر الأساس الذي يقوم عليه المشروع التهشيميّ يتمثل في لبنة منطقية: نظام له سلبيات كثيرة ضاق شعبه بها ذرعاً، أمّا الباقي فيحتاج إلى إخراج هوليوودي، و«البلاتو» هو تراب البلد بكامله. تكررت الحلقات وفي كل مرة أدوار جديدة وانهيارات بلا دروس.

للحقيقة والتاريخ كانت صناعة الاستغباء في قمّة المهارة. قُبيل إطاحة «الزين» قال التونسيون «هرمنا»، ولمّا رحل قالوا «بن علي هرب»، اليوم هم «في انتظار غودو الخبز». أمل العرب أن يكون السودان خاتمة هذا الشريط المأساوي، فكلا الطرفين يصرّ على أن الحرب لن تتوقف حتى يُقضى على الآخر، كأنهما لا يعلمان أن الأيدي الخفيّة عقدت العزم على أن يجعلوها ناراً وقودها الناس والحجارة. لقد غسل العرب أيديهم من سلّة الغذاء العربي، فأعيدوا إلى السودانيين وطنهم.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاقتصادية: أضحى الاستحماق تجارةً رابحةً، فهل يرجو العرب أن يسحب المستفيدون البضاعة وهي لم تكسد سوقها بعد؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/58m4728a

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"