مهزلة الاستغلال الفرنسي للعباءة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل سمعتَ الضجّة الكبرى التي أثارها الفرنسيون حول ارتداء العباءة في مدارسهم؟ لقد تزامنت مع صدور قانون أو أمر بالمنع. ما أقصر ذاكرتهم، فسرعان ما نسوا أنهم اتخذوا العباءة سلاحاً في حرب السنوات السبع التي انتهت بالنصر الجزائري والاستقلال. يذكر القلم، الذي كان في سنّ الثامنة عند اندلاع حرب ثورة التحرير سنة 1955، أن إذاعة الجزائر كان لها وقع وتأثير كبيران في شعوب المغرب العربي، فعمد الجيش الفرنسي إلى التشويش عليها ببثّ ما يشبه صوت المحرك الهادر، على التردد والذبذبات ذاتها، بالتزامن مع بث مجموعة من الأغاني العربية المتكررة على مدار الساعة، من بينها: «يا ام ّ العباية..حلوة عباتك»، وظلّ صوت المطربة سهام رفقي يتردد طوال سنوات التشويش.

اليوم، صار الفرنسيون يتحدثون عن «المشروع السياسي للعباءة». وردت هذه الجملة نصّاً على لسان مقدمة برامج في القناة الفضائية الخامسة الفرنسية، وهي تحاور المنادية بالإسلام الليبيرالي «كاهنة بهلول»، الفرنسية الجزائرية الأصل، المرأة الأولى في فرنسا التي تؤمّ المسلمين في الصلاة. بالمناسبة، الكاهنة اسم له صدى بعيد المدى، فهي ملكة الأمازيغ، من ليبيا إلى المغرب. ولدت في الجزائر وفيها ووريت الثرى، عاصرت الأمويين وتصدت سنين طويلة للفتوحات الإسلامية.

الجدل في شأن العباءة لا يستطيع أحد حسمه بالقول الفصل، لا الفرنسيون ولا المسلمون، لأن العباءة ليست عربية بالمطلق ولا إسلامية بلا منازع. لا وجود لأدلة أو استدلالات لا يتأبّد فيها النقاش. كم عدد البلدان العربية أو الإسلامية التي ترتدي العباءةَ فيها بناتُ الإعداديات والثانويات؟ كم عدد البلدان الإسلامية التي تستطيع مطالبة التعليم اللاّئيكي الفرنسي بحريّة الأزياء؟ إذا قال أحد للفرنسيين: لماذا لا تحترمون الزيّ العربي أو الإسلامي؟ كان الردّ البديهي الجاهز: ولمَ لا تحترمونه أنتم جميعاً؟ فإذا قيل: إن بيننا فئةً تسمح بالعباءة في المدارس، كان الردّ: نحن إذاً مع الآخرين، وهم الأكثرية الغالبة.

لكن، من قلّة عقل المتطرفين في فرنسا، والكثيرون منهم في قلوبهم مرض، وهم معلومو الغرض، يتشدّقون بترّهات أن دول الخليج العربية تريد تصدير الزيّ الإسلامي إلى فرنسا. ضحالة تفكيرهم هي عدم إحاطته بكل المعطيات. هم يرون أنفسهم دائماً على حق، وغيرهم دائماً على باطل. الانحدار الأخلاقي والفكري هو أن أدعياء الحضارة يرون الإساءة إلى مقدسات 1.5مليار مسلم، حرية تعبير وديمقراطية، أي قيمة حضارية، بينما بضع عباءات في مدارسهم، وهي لا تمثل حتى واحداً من المئة ألف من المسلمين، يرونها خطة سياسية ومؤامرة إسلاموية.

لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: الشيء من مأتاه لا يستغرب، لأنه غير غريب عن الغرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mv4y483r

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"