«سيف الإسكندر» الفلسطيني

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجى صادق شراب

تشبه الحالة التي وصلت لها القضية الفلسطينية بكل مستوياتها ما يعرف ب«عقدة غوردون»، بل قد تكون تفوقت عليها بتحولها إلى مكوّن من عقد غوردون. فنحن أمام نموذج فريد واستثنائي للقضايا والأزمات الدولية. فمنذ أن نشأت القضية الفلسطينية قبل أكثر من 75 عاماً وهي تتحول إلى مزيد من العقد التي يصعب حلها. فالقضية الفلسطينية من القضايا المركبة الممتدة التي تتكون من عُقد لا نهاية لها، بل تتوالد العُقد مع مرور الزمن بسبب عدم استئصالها من جذورها. إن العودة إلى أصل القضية الفلسطينية هي الخطوة الأولى المهمة في استئصال عقدتها الرئيسية، وهنا السؤال أيضاً عن السيف الذي نحتاجه. 

 الأصل في القضية الفلسطينية يكمن في رفض قيام دولة على أرض فلسطين تجمع كل من عليها من عرب ويهود، وذلك لرغبة ومصلحة مشتركة بين الحركة الصهيونية والإمبريالية التى كانت تقودها بريطانيا في قيام دولة قومية يهودية خالصه لليهود كما جاء في المؤتمر الصهيوني الأول 1897 الذي نص على قيام هذه الدولة. وبدلاً من أن يعمل سيف الإسكندر البريطاني على استئصال المشكلة والعمل على قيام الدولة الفلسطينية لكل مواطنيها، فقد عمد إلى استئصال المكون الفلسطيني ليؤسس إسرائيل التي قامت وفقاً للقرار الأممي 197، جراء تحكم أوروبا وأمريكا في المنظمة الدولية. 

ثم بدأت مع قيام الدولة اليهودية تبرز بعقدة غوردون وتعدد مكوناتها ومستوياتها. ثم تحوّل سيف الأسكندر إلى الولايات المتحدة التي عطلته وتحكمت في تعقيدات القضية بعدم السماح منذ اليوم الأول، ثم دخلت إسرائيل في حروبها بدءاً بحرب 1948 لتبرز عقدة اللاجئين بتشريد مئات الآلاف من أهل فلسطين ليعيشوا في الشتات، ثم برز ملف القدس وتقسيمها والسيطرة عليها، والاستمرار في خيار الحرب ودخول الدول العربية فيها بدءاً من حرب 1948 ثم 1956 وصولاً إلى حرب 1967 حيث احتلت إسرائيل كل الأراضي الفلسطينية إضافة إلى سيناء ومرتفعات الجولان، لتبرز العقدة العربية  الإسرائيلية. 

 وإلى جانب هذه العقد، كانت هناك العقدة الدولية وتعطيل كل قرارات الشرعية الدولية، وحماية إسرائيل بالفيتو الأمريكي لتزداد عقدة غوردون تشابكاً إلى درجة يصعب معها أي حل، بدليل فشل كل المفاوضات ومحاولات التسوية الجزئية لتعطيل سيف الأسكندر الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة. 

 وبالتحليل السياسي للقضية لمعرفة أساس عقد غوردون نجد أولاً قلب العقدة في طرفي الصراع وهما إسرائيل وفلسطين، إذ نجد عقدة غوردون الإسرائيلي متمثلة بالحكومة الحالية التي تجسد قمة وذروة التحالف بين الصهيونية الدينية والقومية من خلال أكثر حكومة متطرفة في إسرائيل، التي ترفض أي شكل من أشكال التسوية، وترفض مطلقاً القبول بالدولة الفلسطينية، بل إنها تدفن ما تبقى لقيام الدولة الفلسطينية من خلال توسيع الاستيطان في مناطق (ج )، وفي الأغوار لتكتمل الدائرة الاستيطانية، وإغلاق ملف القدس كاملاً، وعدم الاستعداد لمناقشة ملف اللاجئين. 

وبالمقابل هناك عقدة على المستوى الفلسطيني تتمثل في الانقسام السياسي الذي تحول إلى بنية متجذرة تحكمها تناقضات أيديولوجية بين حماس وفتح، إضافة إلى غياب الرؤية الوطنية للتعامل مع القضية. وتتلخص عقدة غوردون الفلسطينية في الاختلاف حول القضية ذاتها، وفي ضعف المتغير الفلسطيني ودوره في القرار السياسي وتأثير المتغيرات الخارجية. وتمتد العقدة إلى المستوى العربي في توجهات السلام مع إسرائيل وتراجع مركزية القضية كأحد مكونات الأمن القومي العربي الذي لم يعد أيضاً قائماً كأولوية، وفي خيارات التفكك التي تتعرض لها الدول العربية، إذ تتحول القضية إلى مجرد دعم اقتصادي وسياسي. أما دولياً فلم تعد القضية ذات أولوية وأهمية أمام القضايا الدولية المتزايدة وأمام تحولات النظام الدولي، إضافة إلى الحرب الأوكرانية ببعدها الدولي، واحتكار الولايات المتحدة حتى اللحظة سيف الأسكندر القادر على حسم القضية. 

 وبالعودة إلى جذور القضية، يبقى أن تفعيل سيف الإسكندر متوقف على تفعيل المتغير الفلسطيني واستعادة القضية مكانتها الدولية. وهذا يستلزم تفعيل المتغير العربي والفلسطيني وربط عملية السلام بقيام الدولة الفلسطينية التي تشكل العقدة الأساس، والتي بقيامها يتم تفكيك كل العقد المكونة للقضية فيتحول سيف الأسكندر إلى اليد العربية القادرة على استئصال العقدة من جذورها بقيام الدولة الفلسطينية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3mx5u5ad

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"