آثار القراءة الجامدة للتراث

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يجوز الحديث عن نسبيّة قراءة الميراث الثقافي، شعراً ونثراً؟ ما هي إشكاليات القراءة المنحصرة في عصرها؟ هل يُعقل أن نقرأ النصوص الجاهلية كالجاهليين، والعباسيّة كالعباسيّين، وقِسْ على ذلك؟ القراءة المتعدّدة الوجوه مفيدة، فتتسلّح أذهاننا بالفكر والنقد الفاحص والمنهجيّة العلمية والرؤى الاستشرافية.

نسبيّة القراءة فيها ما يشبه الكيمياء، بل إن فيها ما يشبه الخيمياء، التي ظنّوا أنها تحوّل المعادن الزهيدة، إلى أخرى نفيسة. لكنها تفعل عكس ذلك أحياناً، فيكون البيت قد قضى قروناً متألّقاً متأنّقاً، وإذ بنجمه يأفل عند نقد عنصره، وعرضه على المحكّ الدقيق. المكاسب العلمية التي تتحقق بعد العصر الذي يعود إليه النصّ، تُغيّر النظرة إلى المضمون، حين يكون ذهن المتلقّي مجهّزاً بمجهر ذي نظر ثاقب. عندها، على الذين يدرّسون الأدب، في أيّ مرحلة، من الإعدادية إلى الجامعة، أن يدركوا أنهم ليسوا علماء آثار أو إحاثة وتنقيبات أحفورية ومطمورات.

تربية العقل الناقد ليست مادّة مقرّرة، بل مسؤولية تربوية، يجب أن تكون عقل المناهج وروحها. مثلاً: إذا ذُكر البيت: «ومكلّفُ الأيام ضدَّ طباعها.. متطلبٌ في الماء جذوةَ نارِ»، فإن على المدرّس أن يفتح للطلاب نافذةً خارج الكتاب المدرسي: أعزائي، منذ اختراع التوربينات في القرن الثامن عشر، وبداية استخدامها في القرن التالي، صار لزاماً النظر إلى البيت من منظور مختلف. بالمناسبة، الترجمة العربية للتوربين هي العَنَفة، وأترك لكم التحقيق في جوانب هذه الترجمة، اشتقاقاً وذوقاً في السمع. لقد أتاحت التوربينات توليد الطاقة الكهربائية من الماء، من السدود والأنهار والشلالات. أمّا أحدث طريقة لطلب جذوة نار من الماء، فهي أن فريق بحثٍ علمي في إحدى الجامعات الصينية، أتى بالجديد عالميّاً، فقد صنع ألواحاً للمناطق المطيرة في الصين، على غرار الألواح الشمسية، يسقط عليها المطر، فيولّد الواحد مئتي وات في المتر المربع، أي نصف ما يولّده المتر المربع من الألواح الشمسية. أمّا الشطر الأوّل، فهل ترون أن الأيام هي التي لها طباع سيئة على مدى الزمان؟ ألا يبدو لكم أن الناس هم الذين لهم سلوكيات لها آثار إيجابية وأخرى سلبيّة؟ أليس التحلي بالقيم السامية، يجعل المرء جميلاً يرى الوجود جميلا؟

أمّا عن الخيمياء، التي يظنّون أنها تحوّل الحديد إلى ذهب، فالطب الذي يعالج الداء بمثله، ظهر قبل 250 سنة تقريباً، بينما قال الأعشى في الجاهلية: «وكأسٍ شربت على لذّةٍ.. وأخرى تداويتُ منها بها»، وقال بعده أبونواس: «وداوني بالتي كانت هي الداءُ». لو سأل الناس بعد ذلك أنفسهم: ما سرّ علاج الداء بالداء؟ لتغيّرت أمور كثيرة في الطب والكيمياء.

لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: هذه اللمحة المتواضعة، إذا عكفت عليها مؤسسة ثقافية أكاديمية، أمكن العثور على كنوز بالقراءة النسبيّة المجهرية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n7xhde7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"