الفوضى المنزلية ونفسياتنا

01:15 صباحا
قراءة دقيقتين

من المهمات التي قد تكون صعبة وفي الوقت نفسه ممتعة، هي إعادة التغيير في المنزل، سواء الصيانة أو تغيير الديكورات، والصعوبة تكمن أحياناً في قصة أننا تعودنا واعتنقنا ثقافة الاستهلاك، والشراء بلا حدود أو مقياس، ليس أحياناً بذخاً لكن البيوت كبرت، وصار فيها مخازن، وفي الغرف زادت المساحات التي استهلكت أيضاً في التخزين. كنت أمر بهذه التجربة منذ شهور، واستنزف الأمر طاقة من في البيت، كنت أظن أنها عملية سهلة لكن التنظيف، والتخلي عن الكثير من الذكريات والأغراض أمر يجعلك تتردد كثيراً، ولا أخفي عليكم، فقد ابتعت في معرض الكتاب الماضي كتاباً خاصاً بثقافة «الكراكيب» وخفت أن أقرأه فأكتشف أنني ومن حولي نعيش عالماً من «الكراكيب» يصعب التخلص منه.

العملية نفسية بحتة، وهي مرتبطة بالتعلق، التعلق بأشياء ربما لن نعود لها، وربما لن نحتاج اليها أبداً، هي الارتباط المشاعري بالأغراض التي ربما ارتحلت معنا من الأماكن القديمة، البشر الذين عاشوا وعشنا معهم عمراً، ارتباط قد يوحي لك في وهلة أنك تحتاج الى كل شيء لأن يكون معك، وتمتلئ الأدراج والخزائن بكل شيء وتنسى مع الوقت أنك في الأصل تمتلك هذه الأغراض، وحين تجرد بعد أعوام تصبح الحالة فقط ذكرى وتذهب في طي النسيان. العلاقات الإنسانية قد لا تحتاج الى تراكم الأغراض، هي أشياء جميلة نحتفظ بها وتكون ذات أثر لا يمكن نكرانه في وقتها، لكن مع الوقت نحتاج لأن تتسع المساحات لحياتنا وأن يتسع القلب فقط للحياة الحقيقية، للعمر الذي يمضي سريعاً ولا يعود، ولكل ما سيجعلنا نعيش إحساس الامتنان بجمال ما نملك ونريد.

أدرك تماماً أننا لم نكن يوماً سوى صورة ومخزن لعلاقات عابرة، وشخصيات لربما كانت معنا زمناً ورحلت وبقيت ذكرياتها تأسرنا وتقيد حركتنا، وانتقالنا لمرحلة جديدة، الإدراك والوعي هو جزء من التحرر، جزء من خلاصنا من تراكمات و«كراكيب» تثقلنا، يكفينا من الماديات ما يجعلنا نشعر بأننا بخير، وأننا مكتفون بما نملك، وأن الزيادة ليست إلا تعباً وهدراً، وامتصاصاً لماهيتنا، وسعادتنا، والعملية معكوسة على ما نريد أن نعيشه ونكتبه، أخبرك سراً: حين ترمي تلك الذكريات، وتنظف الرفوف، وتتجمل بأقل الأشياء وتتنفس عمق ما يبقى وتحتاج اليه، ستنتقل لمرحلة جديدة، تتجدد روحك ونفسك، وتتجدد الحياة في داخلك وتقتنع بأن الوقت حان لرحلة جديدة، ممتعة وغنية بتجارب تستحق المرحلة التي تعيش فيها، لربما تحتاج فعلاً الى أن تقرأ بجدية ثقافة «الكراكيب» فتعيد في داخلك الوعي بماهية المهم والضروري والكماليات والتعلقات التي ليست إلا ثقلاً ووهماً لا نحتاج اليه لأن نكمل الحياة، ببساطة: كن متحرراً، في بيتك وداخلك واجعل قلبك مرفرفاً بما يتسع ويستحق ولا تزحمه إلا بحب يحملك لعالم الطمأنينة والاستغناء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ypufvnfa

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"