طوفان الهجرة والقمع الأوروبي

00:16 صباحا
قراءة دقيقتين

تهدد موجات الهجرة غير النظامية التي تضرب بقوة جزيرة لامبيدوزا الإيطالية بتصدع البيت الأوروبي، بعدما مانعت بعض الدول في استقبال أي وافدين، وأكدت باريس أنها «لن تستقبل أحداً»، وأعلنت بولندا رفضها خطة الاتحاد الأوروبي لتوزيع المهاجرين من إيطاليا على الدول الأعضاء، بناء على اتفاق تم الإعلان عنه مؤخراً.

مشكلة الهجرة متفاقمة، وفي الضفة الجنوبية للمتوسط، ولاسيما في تونس، أصبحت عنوان أزمة كبرى مع تدفق عشرات الآلاف من دول إفريقيا جنوب الصحراء على البلاد. وحسب بعض الإحصائيات، فإن قوارب الاتجار بالبشر تقل ما يناهز الألف مهاجر يومياً، أغلبهم من السواحل التونسية، إلى الجزر الإيطالية. ولم تفلح المفاوضات، التي عقدتها روما والمفوضية الأوروبية مع تونس، في الحد من تدفق الموجات البشرية، بل إنها في الأيام القليلة الماضية تضاعف مدها، وبدأت الأطراف ذات الصلة تشعر بالإحباط.

وبينما تحاول تونس تشديد الإجراءات الأمنية وملاحقة مهربي البشر واعتقال بعضهم، اتخذت الحكومة الإيطالية إجراءات قانونية مشددة لمنع استقبال وافدين عبر البحر بإقامة المزيد من مراكز الاحتجاز وزيادة فترة الاعتقال للمهاجرين غير النظاميين. أما على الجبهة الدبلوماسية، فتبدو اللغة المتداولة تميل إلى الخشونة، وبينما قرر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان زيارة روما لتمرير رسالة «حزم» في مواجهة الهجرة غير الشرعية، أعلن وزير الخارجية الايطالي أنطونيو تاياني أنه سيتوجه إلى تونس لتوقيع اتفاق حول الهجرة، يضاف إلى جملة الاتفاقيات السابقة التي وقعتها رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني مع الرئيس قيس سعيّد، لم تثمر أي تغيير على الأرض.

كل الأطراف المتصلة بظاهرة الهجرة تقع تحت الضغط، ففي تونس تعيش أجزاء من البلاد حالة من التوتر وصلت في بعض الأحيان إلى العنف، وفي الضفة الشمالية يجري تسجيل انتهاكات وسوء معاملة بحق مهاجرين كحرمان بعض القوارب من الرسو على السواحل. كما يهدد تفاعل الأزمة بسقوطها بين أيدي غلاة المتطرفين في الأحزاب الأوروبية، فقبل أيام شكل نائب رئيسة الوزراء الإيطالية، زعيم «رابطة الشمال» ماتيو سالفيني وزعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان جبهة موحدة ضد «طوفان الهجرة»، وذلك تحضيراً للانتخابات الأوروبية العام المقبل، وخلال الإعلان عن هذا التحالف تم استخدام خطاب مشحون بالنبذ والكراهية، فقد هدد سالفيني باستخدام «كل الأدوات اللازمة» لمنع ما أسماه «الغزو القادم من البحر». وتجد هذه اللغة الشعبوية من يتفاعل معها، كما تجد الخلافات الأوروبية حول التعاطي مع ظاهرة الهجرة من يستمع إليها ويعمل على تطبيقها دون اعتبار للنواميس الإنسانية والحقوق المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق الدولية.

لن تجد قضية الهجرة المتنامية حلها في أوروبا بالتكتل ضدها وحشد وسائل الإكراه والقمع، وتجاهل التعامل مع أبعادها الاجتماعية والسياسية، فعشرات آلاف الأشخاص الذين يغادرون بلدانهم في قلب إفريقيا الملتهب بالاحتباس الحراري والفقر والجوع والأوبئة والأمراض، لم يخرجوا من ديارهم بهدف «غزو» أوروبا، وإنما بحثاً عن حياة أفضل. وتجاهل هذه الأوضاع من الجانب الأوروبي، سيدفع بموجات هجرة أعنف إلى الضفة الشمالية للمتوسط، ستسبب كثيراً من الاضطرابات والانقسامات السياسية، إضافة إلى ما تخلفه من مآس لضحاياها الأبرياء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2whuzjxz

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"