نحن واللغة

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

«اللغة قد تندثر وتموت»، هذا ما يراه الكاتب الألماني ألكسندر فرويند، وهو محق في ذلك، لذلك فإنه يؤكد أن «البقاء لمن يكتب»، والقصد أن اللغات التي لم تُدّون تلاشت واندثرت، حتى لو كانت متداولة لعدة قرون، وما بقي منها متوارثاً عبر النقل الشفاهي، هو الآخر، عرضة للمصير نفسه، إن لم يكن اليوم، فغداً أو بعد غد، وربما جاز القول إن الورق هو الذي حفظ اللغات وعممها على نطاقات أوسع. صحيح أن الكتابات المدّونة على الحجر والطين صمدت آلاف السنين، ولكن لم يُقدّر لها الانتشار الذي تحقق عبر التدوين على الورق.

طبعاً هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية في حفظ اللغة وانتشارها، بينها حجم الكتلة البشرية الناطقة بها، فكلما زاد عدد أفرادها زادت أهمية هذه اللغة، ويُصنف تقرير متداول أهم اللغات في العالم تبعاً لهذا المعيار، وفي مقدمتها: اللغة الإنجليزية التي تبلغ نسبة المتحدثين بها ما يقرب من 25% من سكان العالم، أي أكثر من مليار ونصف إنسان، تليها اللغة الصينية التي يبلغ عدد الناطقين بها أكثر من 18% من سكان الكوكب، وتليها لغة الهند التي يتحدث بها نحو 12% من البشر، وتتبوأ لغتنا العربية، بدورها، موقعاً متقدماً حيث أتت في المركز الرابع، ويكاد عدد المتحدثين بها ما تشكل نسبته 7% من شعوب الأرض.

وتلي العربية لغات أخرى، وفق المعيار نفسه، أي عدد الناطقين بها، هي الإسبانية والروسية والبرتغالية والبنغالية والفرنسية والألمانية، وعلى الرغم من أن عدد اللغات الرسمية المعتمدة في الأمم المتحدة هو ست لغات، هي الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والروسية والعربية والصينية، لكن، وكما لاحظنا، فإن هناك لغات أكثر انتشاراً من بعض هذه اللغات الست، والمؤكد أن الإنجليزية هي اللغة العالمية الأولى، ولذلك أسباب مختلفة، بعضها يعود إلى التاريخ الإمبراطوري لإنجلترا يوم كانت «لا تغيب عنها الشمس»، وأيضاً اعتمادها كلغة رسمية في الولايات المتحدة الأمريكية بكل ما تمثله من وزن عالمي، وهناك من يعزو الأمر أيضاً إلى كونها باتت لغة العلم والتكنولوجيا، فضلاً عن كونها سهلة التعلم لأن تراكيبها ومفرداتها أقل تعقيداً من اللغات الأخرى.

مع الإقرار بذلك فإن التعددية اللغوية ضرورة حضارية وثقافية، فتنميط العالم بنمط واحد وحيد، أكان اقتصادياً أو سياسياً أو ثقافياً أو لغوياً، يصبح مرفوضاً أكثر فأكثر، لكن لا يكفي أن يكون العدد الكبير للناطقين بلغة ما هو معيار أهميتها، فاللغة تصبح أقوى كلما زادت قوّة وعزّة الأمة التي تتحدث بها، وهذا أمر يعنينا كعرب، قبل سوانا، ونحن نواجه ما نواجه من تحديّات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2wxsm29y

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"