الصفيق والتصفيق

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

بعد مشاهدة العرض المخزي لأعضاء «الكونغرس» الأمريكي وهم يصفقون لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهو يلقي كلمته أمامهم، سألت نفسي: أمن جامعٍ بين الصفاقة والتصفيق؟ خاصة بملاحظة التشابه اللافت في نطق لفظي التصفيق والصفيق كصفة تطلق على من تسم الصفاقة سلوكه.

بحثاً عن عون في بلوغ إجابة عن هذا السؤال، عدنا إلى معاجم اللغة، وهي وإن قالت بأن التصفيق هو «صوت إيقاعي ينتج عن ضرب سطحين مستويين، أو جزأين من أجزاء الجسم، وأن الإنسان يصفّق براحة اليد، في إيقاع غالباً ما يكون سريعاً، في تعبير عن الاستحسان والإعجاب والتقبّل»، فإنها، أي المعاجم، تحملنا على ملاحظة وحدة الجذر اللغوي للمفردتين: تصفيق وصفيق، حين تفيدنا بأنه بوضع الضمّة على حرف الفاء في مفردتي «صفُق»، «يصفُق»، يكون ناتج الفعل هو صفاقةً، والصفيق، وعليه حين نقول صفُق وجهُهُ، فقصدنا «أنه كان وقحاً»، كما يفيدنا «معجم المعاني الجامع».

يقال إن نشأة التصفيق تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، كسلوك يعبر عن الاستحسان والرضا في مسرحيات الكاتب الروماني بلاوتوس، الذي كان يستخدم التصفيق في مسرحياته لإرشاد الممثلين للتقدم إلى الأمام، ومصدر هذا القول يفيد أيضاً بأنه على الرغم من أن التصفيق يدل على الاستحسان والقبول، إلا أنه، وبمرور الوقت، لم يعد محبذاً من الجمهور في حفلات الأوركسترا، على خلاف ما كان متبعاً في الماضي.

وحتى لو سلمنا بصحة هذه المعلومات عن نشأة وتاريخ التصفيق، فإن معاجم لغتنا العربية لم تُخيب آمالنا في العثور على صلةٍ ما بين التصفيق والصفيق، كي نجمع بينهما في وصف ما جرى في «الكرنفال الكونغرسي» الأمريكي احتفاء بكلمة نتنياهو التي حظيت بتصفيق حاد وغير مسبوق من جانب الحاضرين من أعضاء السلطة التشريعية في المجلسين «النواب والشيوخ»، ومن الحزبين الجمهوري والديمقراطي، «حيث تم إحصاء 81 مرة من التصفيق والوقوف خلال ال52 دقيقة هي مدة الخطاب، أي أن معدل التصفيق بلغ مرة كل نحو 40 ثانية بشكل متقطع» على نحو ما جاء في افتتاحية «الخليج» يوم أمس.

وإذ وجب أن نرفع القبعات تحية لنحو ثمانين مشرّعاً قاطعوا الجلسة، نائين بأنفسهم عن لحظة عار تاريخي، فإنه يمكننا القطع بأن النخبة السياسية الأمريكية، ممثلة في «الكونغرس»، قد وضعت نفسها في قلب الصفاقة، وهي تصفق لنتنياهو المسؤول الأول عن قتل نحو أربعين ألف فلسطيني في قطاع غزّة المنكوب، الذي جرى تدمير كامل أرجائه، وبين هؤلاء الضحايا، نسبة كبيرة من الأطفال. ألم توجع هؤلاء ضمائرهم وهم يقفون بين الثانية والأخرى مصفقين للقتل والتدمير والتهجير؟ ليست الحماقة وحدها أعيت من يداويها، الصفاقة تضاهيها في ذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/txhfxt3y

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"