الأم تأثير

00:54 صباحا
قراءة دقيقتين

في رحلتي بالأمس لمونتريال- كندا، وقبل الهبوط بساعات قليلة، شاهدت فيلماً تناول حياة «ألفيس بريسلي» مطرب الروك المعروف الذي توفي قبل ميلادي، لكن صيته لا يزال يذيع بين الأجيال، كنت شغوفة بأن أرى تفاصيل قصته، وإن كان في الأمر مبالغة في كيفية اعتناقه أسلوب رقصه، إلا أن ما جذبني هو تعلقه الشديد بوالديه، وتحديداً بأمه التي عانت من أجله، بعد أن فقدت أخاه التوأم، فصار لديها يقين بأن ولدها يعيش بقلب رجلين.

كانت المعاناة التي عاشتها الأم محركاً له لكي يتغير ويصبح علامة فارقة، لأنه، وكما قال، كان يريد لها حياة كريمة، حياة لا تشقى فيها، ولأنه أكثر إنسان يثق بها على وجه الأرض، فكان لرحيلها المفاجئ وقع الصدمة، ونقطة ضعف استطاع من خلالها مدير أعماله أن يثيره عاطفياً، فكل شيء عنده يهون من أجلها.

كانت الأم تقلق عليه كثيراً، بل توفيت من شدة قلقها، لحزنها حين أرسل إلى التجنيد. العبرة هنا أن الكثيرين منا لو عادوا بالذاكرة، لوجدوا أننا نرث من أمهاتنا المحبة المعطاءة، صفاتنا الجميلة، تلك الصفات التي تجعلنا نحارب الدنيا، ونتفانى لنجعل الصعوبات تهون من أجل الوصول إلى قمة ترضيهن وتسعدهن. تبقى الأم المؤثرة الأولى والدائمة، وكما كان يقول أحدهم لأمه: «الحب الأول والأوحد ولا حبيبة تنافسها».

الإبداع يأتي فينا تلقائياً حين نرتبط بجذور الأسرة، وتفاصيل الحياة التي تجعلنا نبتعد عن الأنانية ونسخّر إمكاناتنا وقدراتنا من أجل أن نُسعد كلَّ من حولنا ومعنا، وكان في القصة الكثير من هذه التفاصيل.

نرى في واقعنا الحديث، الكثيرَ من القصص التي حاكت تجارب وحياة المشاهير، ترتبط بالنشأة سواء بالسوء أو الخير، كما ترتبط بتفاصيل الطفولة التي يريدها الوالدان. ومن خلال الظروف التي يصوغانها حول الأطفال، تصبح تلك التفاصيل الأولى هي الترجمة الحقيقية لشخصياتنا، وثقافتنا وفكرنا، فكان لزاماً أن تكون الأمُّ مدرسة في البيت، بثقافة عالية، وقيم متوارثة وأصول متعمقة، في الخُلُق والإبداع والتفاني.

إن العظماء ولدوا من رحم الأم، ومن رحم المعاناة والحرمان، ولكن الأم هي من كانت خلف الكثيرين في قصص النجاح، وكانت الصوت الأول الذي يبعث في داخل كل فرد صوت الإصرار والتحدي. كنت أتساءل كثيراً، مِن أين يأتي اليقين لديها بما سيصير عليه طفلها، ولم تحارب كل المعطيات التي قد تخبرها عكس ما يقوله لها قلبها، فنجد أنها هي الحقيقة المطلقة والأصح، رغم كل الحسابات الرياضية والمنطق والفرضيات. الأم هي من تجعلنا على قمم لم نحلم بها، يقينها وحبها، وقبل ذلك معرفتها بمن ولدت، وهذه رسالة لكل أم اليوم، لا تتهاوني في ما تقولين أو تفعلين، فأنت ستُخرجين لهذا العالم إما عظماء أو خاسرين، والبقية تنسب إليك.

دمتن بسعادة وأمان أمهاتنا. ورحم الله من رحل منهن وجزاهن خير الجزاء عنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5be6uysn

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"