محور جنوب الصحراء

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

مازالت تداعيات الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر، الشهر قبل الماضي، تلقي بظلالها على الأوضاع الأمنية والسياسية لدول جنوب الصحراء، وتمتد ذيولها إلى خارج القارة الإفريقية لتنخرط في الصراع الدولي الجاري حول تقسيم العالم، وبناء أقطاب وتحالفات جديدة. وبينما تقف الأطراف الخارجية تحرك المشهد من بعيد، تكاد دول جنوب الصحراء المختلفة تتقاتل بين مناصر للانقلاب، وثائر عليه.

منذ الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، حاولت دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» المكونة، من غامبيا وغانا وغينيا ونيجيريا وسيراليون وليبيريا، التصدي للانقلاب، وسارعت إلى مقاطعة الانقلابيين وفرض العقوبات عليهم، ولوحت مراراً بالتدخل العسكري لإعادة النظام الديمقراطي إلى نيامي. وأمام هذا التحالف بُني محور ثلاثي مقابل، يتشكل من مالي وبوركينا فاسو اللتين أرسلتا قوات ومقاتلات إلى حليفتهما النيجر للمساهمة في صد أي تدخل عسكري، ووقعت الدول الثلاث اتفاقاً دفاعياً ينص على المساعدة المتبادلة، ما يعني أن أي تحرك عسكري قد يفضي إلى صدام إقليمي قد يتطور على رمال الصحراء المتقلبة إلى عدم استقرار واسع النطاق، لا سيما وأن مجموعة «إيكواس» ليست متينة التماسك والقوة، ومهددة كغيرها من الدول الإفريقية بانقلابات مفاجئة، وتعاني من حركات نزوح واسعة بسبب المشكلات الإثنية والجفاف والمجاعة، كما تواجه هجمات الجماعات الإرهابية التي تعتاش على قطع الطرق وخطف المدنيين، من النساء والأطفال خصوصاً، واستهداف البعثات الأجنبية، ومنها قوات تابعة للأمم المتحدة.

هذه العوامل مجتمعة قد تجعل من أي لجوء للقوة يؤدي إلى نتائج عكسية، وبالغة الخطورة، لأن أبعاد الأزمة أوسع من حدود ذلك الإقليم والقارة الإفريقية، بل ترتبط بالتحولات العالمية الكبرى. ومن قبل النيجر، كان انقلاب في مالي وبوركينا فاسو، ومؤخراً في الغابون، وفي كل حالة كان اللاعبون الدوليون الكبار، الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، وعلى رأسه فرنسا، حاضرين ولديهم مقاربات متعارضة، وكل لديه أنصار وحلفاء وأتباع. ووفقاً لذلك فإن تلك الانقلابات التي شهدتها دول إفريقية وأخرى في الأفق، لا تخرج عن هذا الصراع المتشابك. وإذا تعكّرت الأوضاع أكثر ربما يكبر المحور الثلاثي الذي يجمع مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ويصبح تحالفاً يضم قادة جدداً بنهج سياسي يختلف عن سياق الطبقة القديمة من القيادات التي كانت في أغلبها خاضعة للهيمنة الفرنسية.

الأمر الذي لا يمكن تجاهله أن هناك شرائح واسعة من الشعوب الإفريقية باتت تؤمن بأن الوقت حان لتصفية بقايا الاستعمار ورموزه. ومن هذا المنطلق فإن أغلب الانقلابات التي يعارضها الغرب ويحاول مضايقتها تحظى بشعبية غير مألوفة، بل إن بعض الزعماء، مثل إبراهيم تراوري، رئيس المرحلة الانتقالية في بوركينا فاسو، ينظر إليهم كآباء جدد لتحرير إفريقيا، تماماً كما كان زعماء الاستقلال، قبل نصف قرن، مثل جمال عبدالناصر وكوامي نكروما وأحمد سيكوتيري وباتريس لومومبا، وحتى نيلسون مانديلا. ومثلما هو الحال في كل مرحلة تاريخية، فإن هذا الوعي يشير إلى أن قطار التغيير في إفريقيا قد انطلق ولا يمكن وقفه، مثلما لا يمكن إبطال ولادة عالم جديد متعدد الأقطاب تحكمه توازنات جديدة وسياقات مختلفة.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/52fty4fk

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"