العبء الأوكراني يفكك أوروبا

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

يشعر أغلبية الغربيين، خصوصاً الأوروبيين ، بأن الحرب الدائرة في أوكرانيا طالت أكثر من المحتمل، وأن تحقيق نصر على روسيا في هذه المعركة أصبح بعيد المنال، رغم التضخيم الإعلامي للهجمات الأوكرانية الأخيرة، والدعم العسكري الذي تتلقاه كييف. وبعد صبر طويل ومكابرة غير واقعية، بدأ الشقاق يدب داخل الكيان الأوروبي، وبدت الانقسامات واضحة حول التعامل مع هذه الأزمة العنيدة.

مثل كرة الثلج، بدأ الخلاف يكبر بين أوكرانيا، وكل من بولندا والمجر وسلوفاكيا حول حظر استيراد المنتجات الزراعية، وهو موقف شكّل صدمة لكييف تضاعفت مع تعثر الاتفاق مع روسيا والأمم المتحدة حول تصدير الحبوب عبر اتفاق البحر الأسود. وقد دفع موقف الثالوث الأوروبي «العدائي» سلطات كييف إلى عرض شكوى على منظمة التجارة العالمية بشأن حظر منتجاتها الزراعية، ولم يتوقف السجال عند هذا الحد، بل إن وارسو اتخذت قراراً مؤلماً بحظر إمداد أوكرانيا بالأسلحة، لتبدأ حرب كلامية بين البلدين، إذ دان الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعض «أصدقاء بلاده» واتهمهم بمساعدة روسيا. وقد استدعى هذا الموقف رد فعل عنيفاً من نظيره البولندي إندجي دودا الذي وصف زيلينسكي بالغريق «الذي يكاد في حال محاولة إنقاذه أن يجر من يحاول ذلك إلى الأعماق»، ويتضح من خلال هذا التشبيه أن الخلافات التي كانت تدور خلف الكواليس وتفضحها التسريبات الإعلامية، بين الحين والآخر، لم تعد شيئاً مسكوتاً عنه، بل أصبحت أمراً علنياً يجري تداوله على أرفع المستويات، وحذر منه مراراً مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل، وسلفه خوزيه مانويل باروسو.

في هذه المرحلة، تتجه الحرب الدائرة في أوكرانيا إلى منعرج حاسم، والتذمر الشعبي والرسمي الذي يتجلى في بعض الدول الأوروبية يعبر عن حالة سائدة، قد تفك بعض ألغاز هذه الحرب وتكشف أسرارها، منها أن روسيا، التي لم تحقق نصراً حاسماً ولم تلحق بها هزيمة ساحقة، كانت تريدها حرباً طويلة الأمد لأن عدوها في الميدان ليس الجيش الأوكراني وحده، بل الغرب كله بزعامة واشنطن. وبدل أن تستخدم القوة الغاشمة كما فعلت الولايات المتحدة في غزو العراق واحتلاله، اختارت حرب الاستنزاف والضغط الدائم. ولأن المعركة مصيرية بالنسبة إلى موسكو، فإن أعتى أسلحتها وأكثرها إيلاماً ليست تلك المستخدمة في الرقعة الأوكرانية، بل في مواجهة القوى الغربية في أكثر من ميدان، وتكبيدها أعباء اقتصادية طويلة الأمد ومضايقتها في الفضاء الجيوسياسي في العالم كله مثلما هو الحال في إفريقيا. ورغم أن الروس يعيشون تحت ضغط العقوبات والخسائر البشرية، إلا أن الوضع في الغرب يبدو أسوأ.

وبسبب طول الأزمة، انخفض حماس الشعوب لأوكرانيا، وبات الوضع الاقتصادي متدهوراً. وفي بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، بات الدين العام يتجاوز دخلها القومي، بسبب تحمل تداعيات العقوبات على روسيا ونزيف العتاد العسكري لأوكرانيا. وفي الحروب الكبرى، تكمن العبرة في النتائج السياسية وليس في الخسائر. وبسبب تأثيرات أوكرانيا، فإن دول الاتحاد الأوروبي مهددة بالتفكك، لأنها لن تتحمل هذه المواجهة طويلاً، بل ستدفع باتجاه إنهائها ولو بهدنة شبيهة بنهاية الحرب الكورية.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mvwdc29e

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"