عادي

﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾

22:52 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

كثيراً ما ننظر للآخرين نظرة ريبة، ثم تنعكس تلك النظرة على تعاملنا معهم، ومرد ذلك يرجع إلى أن أحدهم نقل إلينا قولاً أو فعلاً عن ذلك الشخص، وقد يكون هذا الشخص بريئاً مما نُقل عنه براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وهنا لا بد من التنبه إلى أن الله حذرنا أن نصدر أحكاماً جزافاً على الآخرين، بناء على قول فلان، ولا بد من التنبه إلى نقطتين أساسيتين، الأولى: أن ديننا أمرنا أن نتجنب عبارات قيل وقال، لما تحمله من ضرر؛ إذ إنها توغر الصدر، وتولد شعوراً بالسخط والكراهية، والنبي يقول: «إن الله كَرِهَ لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعَة المال، وكثرة السؤال»؛ إذ قد يكون الناقل هو من أَلّفَ هذا الكلام، وقد ورد في هذا وأمثاله قول النبي «بئسَ مطيَّةُ الرَّجلِ زعموا»، والثانية: أن الناقل قد يكون غير دقيق في ما نقل، فربما سمع كلاماً ففسره وأوّله بطريقة خطأ، والله يقول (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء:36، وربما رأى فعلاً، فظنه على خلاف حقيقته، وقد ورد في ذلك أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق ليجمع الزكاة منهم، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع القوم تلقوه تعظيماً لله تعالى ولرسوله، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب النبي وهمَّ أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: سمعنا برسولك، فخرجنا نتلقاه ونكرمه، ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى، فبدا له في الرجوع، فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) الحجرات:6.

لقد نهانا الله عن الظن (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ) وعلل ذلك (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)، والمقصود الظن السيئ؛ إذ هناك ظن محمود (لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) النور:12، والظن المذموم الذي نهينا عنه لا يصح أن نقيم عداوة مع الآخرين بناء عليه، فنحن حينما نعلم أن فلاناً ما، هو على أفضل ما نعرف، ثم يأتينا أحدهم فيشوه صورته، فما نمتلك نحن يقين، وما حُدثنا به شك، والقاعدة الفقهية (اليقين لا يزول بالشك)، والله يقول: (.. إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) يونس:36، ثم إن المسلم يسعى إلى الخير، فإن سمع كلاماً سيئاً عن آخر لم ينقله، وقد نبهنا نبينا إلى عظم ذلك (كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع).

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2krw6r2e

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"