إفريقيا تتغير

00:55 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

حقق المجلس العسكري في النيجر ما يصبو إليه، بإزالة فرنسا من المشهد في البلاد، بعد قبول ماكرون بالأمر الواقع، وإعلانه انسحاب قواته التي يبلغ عديدها 1500 جندي، وإعادة السفير إلى باريس، بعد شهرين من المعاندة، ورفض الاعتراف بالسلطة الجديدة، أو الالتزام بأي خطوة يأمر بها المجلس، لتكون نيامي ساحة أخرى تفقدها فرنسا في القارة السمراء، بعد إزاحتها من بوركينا فاسو ومالي، ورفض وجودها في هاتين الدولتين.

صفعات كبيرة تلقتها فرنسا في إفريقيا، فقد سُحب البساط من تحتها في مستعمراتها السابقة، وهي التي كانت تعتبر الحديقة الخلفية لها، والأهم على أكثر من صعيد، أن ثرواتها كانت تشكل مصدراً رئيسياً لها، سواء بالمناجم التي تقوم شركاتها بالتنقيب فيها، أو البترول والطاقة، كما أن التحكم في هذه المنطقة يمنحها تفوقاً عسكرياً في القارة، ويعطيها الأفضلية، في ظل السعي الروسي والصيني الحثيث إلى استقطاب هذه الدول لمصلحتها، وسحب الامتياز من الغرب عموماً.

ما حدث في النيجر لم يكن مفاجئاً؛ بل إن القارة السمراء بدأت انتفاضتها في إزالة ما تراه الاستعمار الحديث الذي تقوده فرنسا في بلادها؛ إذ ترى دول القارة فيها عقبة أمام نموها، في ظل سرقة الثروات، بينما تعيش شعوبها فقراً مدقعاً، ولا تجد شيئاً تسد به حاجاتها الأساسية، على الرغم من غناها، بما تملك من موارد لو استغلت لحققت تقدماً نهضوياً يشار إليه بالبنان.

وجدت جيوش هذه المنطقة نفسها أمام واقع جيوسياسي جديد، فقد رأت أن المصلحة العليا تكمن في تغيير التحالفات، فاتجهت إلى موسكو وبكين؛ حيث وجدت في هاتين العاصمتين دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لا محدوداً، من دون دفع أثمان باهظة، أي أن ثمة فائدة ستلمسها هذه الدول، وسيكون التعاون هو مصلحي بحت؛ بحيث تعود بالنفع على الطرفين، من دون تدخل أو فرض رؤى، وهو ما لم يكن على صعيد التعامل مع فرنسا التي حاولت «الاستئثار بسياسات» هذه الحكومات، كأنها مقاطعات تتبع لها، الأمر الذي استشعرته شعوب تلك الدول التي خرجت بتظاهرات متواصلة، طالبت برحيل «المستعمر» عن بلادها، وكان لها ما أرادت.

عوامل عدة أدت إلى نجاح الدول الإفريقية في فرض الأمر الواقع على باريس، منها الغضب الشعبي المتنامي جرّاء سرقة الثروات، والتفافهم حول التحركات التي حملت على عاتقها إزالة نفوذ الاستعمار القديم المتجدد، كما كان لتضامن دول الجوار، مثل مالي وبوركينا فاسو، دور مهم في إفشال أي تحرك عسكري ضد النيجر، خصوصاً بعد قرار «إيكواس» التدخل العسكري، ثم تم تجاهل هذا القرار كأنه لم يكن، لأن هجوماً مثل هذا كفيل بإشعال القارة في ظل تحالف جيوش لصد هذه التحركات.

الواقع العالمي تغيّر بالفعل، وظهرت الأقطاب، لتعطي القارة السمراء فسحة أمل بتغيير واقعها، عسى أن تتكلل ببعض للنتائج التي تعود عليها بالنفع، فصراع الكبار أحياناً يصب في مصلحة المسحوقين، إن تم استغلال الفرص بنجاح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc78j37h

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"