عادي
روائع ضد النسيان.. كتب نتمنى تأليفها

البحث عن الذات في كتابات الآخرين

22:13 مساء
قراءة 6 دقائق
1

القاهرة: وهيب الخطيب

في ذاكرة كل كاتب مجموعة من الكتب التي شكّلت وجدانه وأثرت فيه بقوة، يتذكرها دائماً، وربما يعيد قراءتها بين الحين والآخر، حتى إن كثيراً من الكتاب يتمنى لو كان هو مؤلف أحد تلك الكتب، وفي هذا الملف من «الخليج الثقافي»، ننبش ذاكرة بعض الأشخاص للحديث عن تلك الكتب، ونرتحل مع دائرة واسعة من الأعمال الأدبية الخالدة، تشمل «العمى» لجوزيه ساراماغو، و«العطر» لباتريك زوسكيند، وثلاثية نجيب محفوظ، و«كائن لا تحتمل خفته» لميلان كونديرا، و«ألف ليلة وليلة».. إلخ. أعمال حاضرة دائماً في العقل، تتطلب أكثر من قراءة وتحليل، وتؤكد أن الكتب ملاذنا الدائم، وأن القراءة لحظة نتخفف فيها من ثقل الواقع.

مؤكد أن الكتّاب والمؤلفين والمبدعين يعتزون بما تنتج قريحتهم من مؤلفات، وما يبدعون بأيديهم، الأمر الذي يتعامل معه البعض ب«نرجسية مفرطة»، حد أن يرفض أي ملحوظة أو نقد، ومع هذه الحدة والاعتزاز، لا يخفي أدباء كثر إعجابهم بكتابات الآخرين، حد التمني لو كانت كتاباتهم.

أمنيات المبدعين بنسب أعمال «رائعة» من كتابات آخرين إلى أنفسهم، كما هو أمر مشروع، فإن التعبير عنه يشير بنحو ما إلى تصالح أولئك الكتّاب الذي يعربون عن إعجابهم بكتاب ما، ولا يقتصر الأمر على كتّاب في بداية حياتهم، فالجميع يعجب ويتمنى.

يجدر بنا قبل أن نتتبع أمنيات المؤلفين بشأن الكتب التي تمنوا لو كانوا من مؤلفيها، أن نشير إلى أن الإعجاب والتقدير يكاد يكون «المحصلة» الوحيدة التي يجنيها العاملون في مجال الكتابة؛ إذ يمتلك «المشاهير» في الشركات والصناعات مكاسب أخرى، لكن أولئك الذين حققوا درجة معينة من الاهتمام من خلال الجهد الفردي، يفتقرون عموماً إلى الآلات المكتبية والموظفين، للتعامل مع الجمهور المتحمس، ولا يربحون عائداً مادياً من كتاباتهم، ومن ثم تبرز أهمية «التقدير».

نموذجان متقابلان

لا يفصح الكتاب دائماً عن أسماء الكتب التي أعجبتهم، وتمنوا تأليفها، ففي أحد الحوارات، كشف الكاتب الأمريكي بيرسيفال إيفريت، الذي وصلت روايته «الأشجار» إلى القائمة الطويلة في جائزة البوكر للرواية العالمية، في دورتها لعام 2022، أنه «عندما أقرأ شيئاً أحبه، أشعر بالسعادة ببساطة لأنه كتب. لا أحتاج إلى أن أكون صانعه. إنه العمل الذي يهم». وفي معرض إجابته عن سؤال: ما الكتاب الوحيد الذي تتمنى أن تكون قد كتبته؟ «هناك الكثير من الكتب التي كنت أتمنى لو كنت ذكياً بما يكفي لكتابتها. لكن كل ما يهم هو وجود الأعمال».

في المقابل، نوفا رين سوما الكاتبة الأمريكية، التي تحتل رقم 1 في قائمة الأكثر مبيعاً في نيويورك تايمز لروايات الشباب، لاحظت أن الكتّاب الذين تحبهم «دائماً نساء»، خاصة اللائي يكتبن بشجاعة. إنهن قويات وناجحات، وتفسر سبب إعجابها أولاً بالمؤلفات ذاتهن، «عملن من أجل ما لديهن- ولا زالن يعملن»، ومع ذلك متواضعات.

تقول سوما: إن «أحد الكتّاب الذين أعجبت بهم، هو شخص اعتاد كتابة عمود نصائح مجهول وإعطاء الكثير منها للعالم كل خميس، وأنا أعلم أنني لست الشخص الوحيد الذي يحب شيريل سترايد، مؤلفة كتاب Torch and Wild، وعزيزي السكر»، مضيفة سوما «لم أقرأ كل عمود عزيزي السكر لسترايد منذ البداية، لكني أبكي كل يوم خميس».

في العام الماضي، قررت مجلة جود هاوس كيبنج البريطانية المعنية بالمرأة، إجراء حوارات مع الكاتبات حول الكتب التي شكلتهن، ومن ضمن الأسئلة فإن هناك سؤالين ثابتين عن الكتاب المفضل عبر العصور والكتب التي تمنين كتابتها.

ضمن هذه الحوارات، حلّت الكاتبة الأمريكية روث أوزيكي، التي فازت بجائزة المرأة في السرد 2022 عن روايتها «كتاب الشكل والفراغ»، وهي الجائزة المعنية بأفضل رواية بالإنجليزية كتبتها امرأة من أي جنسية. وأجابت أوزيكي عن سؤال الكتاب المفضل بقولها: «ربما يكون من الغش اختيار مجموعة من الأعمال الكاملة لوليام شكسبير» لكن على «ضفة النهر»أو «ريفرسايد» لشكسبير هو الكتاب الوحيد الذي سأنقذه من منزل محترق أو آخذه إلى جزيرة مهجورة. أنا مغرمة به بشكل خاص، كان لدي في الجامعة، مليء بكل الخربشات والهوامش».

روث، التي جرى ترشيحها لجائزة مان بوكر لعام 2013 وترجمت أعمالها إلى 28 لغة، وتُدرِّس الكتابة الإبداعية في كلية سميث، قالت عن الكتاب الذي كانت ترغب في كتابته، «نابولي» من تأليف الكاتبة الإيطالية إيلينا فيرانتي، وهي من الناحية الفنية أربعة كتب، لكن فيرانتي تعدها رواية واحدة منشورة بشكل متسلسل، تكتب فيرانتي بشكل جميل للغاية عن التعقيدات والفروق الدقيقة في صداقات الفتيات والنساء في مواجهة الخلفية العنيفة للصراعات التي تشكل حياتهن وعلاقاتهن.

يشار هنا إلى أن فيرانتي حققت شهرتها من خلال «رباعية نابولي» التي تتألف من «صديقتي المذهلة» و«حكاية الاسم الجديد» و«الهاربون الباقون» و«حكاية الطفلة التائهة»، والتي ترجمها إلى العربية معاوية عبد المجيد.

ماركيز وكاوابتا

قلنا إن تمني كتابة أعمال من تأليف آخرين لا يقتصر على سن أو شهرة أو مكانة، فربما ومهما بلغت شهرة الكاتب يظل يتمنى كتابة عمل نشره «زميل»، هنا يقر الروائي الكولومبي الشهير جابريل جارسيا ماركيز بأنه تمنى كتابة رواية لروائي آخر، وكلاهما- ماكيز والروائي الآخر حصلا على جائزة نوبل في الآداب.

يقول ماركيز: على كل حال الكتاب الوحيد الذي وددت لو كنت كاتبه هو «منزل الجميلات النائمات» لكاواباتا، الذي يحكي قصة منزل غريب في ضواحي طوكيو، يتردد إليه برجوازيون يدفعون أموالاً طائلة للتمتع بالشكل الأكثر نقاء للحب الأخير وقضاء الليل وهم يتأملون الفتيات الشابات الأكثر جمالاً في المدينة.

من الجدير بالذكر أن رواية «الجميلات النائمات» للكاتب الياباني الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1968، من أهم الروايات الكلاسيكية التي تضرب بعمق في المجتمع الياباني، عالم خاص يشكله كاواباتا من أحد البيوت الخشبية التي تتحول لمنزل جيش معدّل، فتايات أشبه بعصافير الزينة، وعجائز يبددون أموالهم؛ بهدف متعة الحب الكاذبة، الفتيات يتحولن إلى جثث مخدرة لا تتحرك، ربما كي لا يشعر العجائز بهذا الضعف.

الأماني العربية

عربيًا، تكثر أسئلة محرري الثقافة للكتّاب والمؤلفين عن العمل الذي تمنوا كتابته، ولا يجد الأديب مفراً من الإجابة الواضحة والتسمية الدقيقة للعمل، إن حاول أن يضع أسساً عامة أو يذكر أكثر من عمل، فإلحاح بعض المحررين لا نجاة منه.

ومع ذلك، يمكن أن ندين بالفضل للحوارات الصحفية التي يصعب حصرها في الدوريات والمواقع الثقافية العربية؛ إذ تمدنا بإجابات متنوعة، يمكن أن تسهم في الكشف عن توجهات الكتّاب فنياً، وعن قناعاتهم النظرية، ومطابقة هذه القناعات بما يقدمونه من إنتاج أدبي.

الروائي المصري أشرف العشماوي، سبق أن قال في حوار صحفي عن الرواية التي تمنى كتابتها «هي الرواية العظيمة عند كل كاتب»، ليشرح فيما بعد القاضي والروائي الذي صدر له نحو عشر روايات منها «تويا» التي رُشحت ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر»، «يتبادر ذهنياً مع ذكر الرواية العظيمة، نجيب محفوظ ورواية الحرافيش، ولم أكتب هذه الرواية حتى الآن وأنا أسميها درة التاج، والعمل الذي يخلد اسم الكاتب، وما زلت أنتظر العمل الذي أكتبه في إطار الرواية العظيمة التي تعد تخليداً لاسمي».

أما الشاعر والروائي الأردني إبراهيم نصر الله، فلا يتوقف أمام روايات الآخرين، إنما يفضل الكلام عن روايته «طفولتي حتى الآن»، التي سبق أن ناقشها في القاهرة، وقال حينها: انتابني حس غريب لأول مرة حينما كنت أقرأ المسودة الأخيرة، وهي من المرات النادرة التي شعرت فيها أنني أقرأ بعين القارئ لا بعين الكاتب المدقق، وحينها شعرت بأن هذه الرواية لو كتبها كاتب آخر لتمنيت أن أكون أنا كاتبها لكثرة إعجابي بها.

وأضاف وقتها: كنت أتمنى قديماً أن أكتب رواية حب في زمن الحروب، كما يفعل الكتاب العالميون الذين قرأنا لهم. واللافت أنه قبل الرواية المشار إليها، صرّح نصر الله بأن روايته السابقة «أرواح كليمنجارو» هي «الرواية التي تمنيت دائماً أن أكتبها»، مبرراً ذلك بأن «فيها مساحات مختلفة من الواقع الفلسطيني بتشابكه مع ما هو إنساني في أكثر من مكان».

أثر كونديرا
هناك عشرات الأسماء التي قابلتها، من روائيين وشعراء، أعربوا عن تمنياتهم لو أنهم الذين كتبوا «كائن لا تحتمل خفته» للتشيكي الأشهر ميلان كونديرا، والذي ظل يحاول يطارده طوال حياته تحليلاً ل«قتال البشر ضد القوى التي تسلبهم حريتهم».

الرواية التي تطغى شهرتها على الثقافات كافة تقريباً، انشغل صاحبها بالخيال بوصفه قيمة في حد ذاته، فعلى الرغم من تضمينه للعديد من المقاطع التي تروي الأحلام في رواياته، عارض بشدة قراءتها الرمزية ومحاولة فك شفراتها التي رأى أنها لا تؤدي إلى شيء.

اقرأ أيضاً

شجرة المعرفة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycxkf4u8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"