الكراهية وصناعة الإرهاب

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

أفضت الجهود الدولية الحازمة طيلة السنوات الماضية إلى محاصرة التهديدات الإرهابية وتراجع مخاطرها، من دون أن تتمكن من القضاء عليها تماماً، بسبب أن هذه الظاهرة كالفيروسات الخبيثة تنشأ في البيئات المضطربة والهشة، وتتغذى على الخلافات والصراعات وخطابات النبذ والكراهية، التي تتصاعد بين الحين والآخر، وتهدد بنسف كل الإنجازات الأمنية والسياسية التي حققها التضامن العالمي، مؤخراً.

 في أيام قليلة شهدت باكستان واليمن والصومال وتركيا، ودول في غرب إفريقيا، هجمات دامية، وأغلب هذه الهجمات لم تتبنّها على الفور حركات متطرفة، ما يثير فرضيات أخرى، كاحتمال أن تكون «أياد قذرة» تابعة لأجهزة استخبارات بعينها، وراء هذه الجرائم، ويدخل ذلك في إطار سياسات خلط الأوراق الأمنية وتصفية الحسابات السياسية. ولا يمنع ذلك الجماعات الإرهابية من استغلال هذه الأجواء لإعادة بناء مخططاتها الإجرامية، وإحياء أفكارها العبثية، لا سيما وأن التجارب الماضية أكدت أن للإرهاب حواضن قد تختلف من عصر إلى عصر، لكنها في المطلق تعطي النتيجة نفسها. فقد ولد تنظيم «القاعدة» الإرهابي من رحم الصراع الأمريكي السوفييتي في أفغانستان، وفرّخ غزو العراق، الذي نفذته الولايات المتحدة خارج القانون الدولي، تنظيم «داعش» الإجرامي، قبل أن يتوسع لاحقاً مستغلاً «الحماسة العبثية» لما يسمى «الربيع العربي»، والتدخل الدولي المفضوح في سوريا. وقد عانى العالم كثيراً من هذا التنظيم، وأودت جرائمه بعشرات آلاف الضحايا وملايين اللاجئين.

 ورغم الجهود العالمية المقدرة في مكافحة الإرهاب، إلا أن التهديد لم يختف تماماً، وما زالت الخلايا المتطرفة تنشط في الظلام، كما أن بعض الأطراف تجعل من هذه المكافحة نوعاً من «الاستثمار» السياسي والأمني، وتجعل من ذلك مطية وذريعة للبقاء حفاظاً على مصالحها الضيقة. وعندما أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أنه لا ضرورة لوجود التحالف الدولي على أراضي العراق، لم تستسغ وزارة الدفاع الأمريكية الموقف وأشارت إلى تشاور مع بغداد بشأن عملية مستقبلية تتعلق بتطوير المهمة العسكرية للتحالف، الذي خرج، مرات عدة، عن نطاق مهمته الأساسية، كما تؤكد التطورات الجارية في شمال شرقي سوريا. ومن المؤكد أن تضارب المصالح واختلاف الأجندات السياسية وتفشي العنصرية تعد من أكبر حواضن تفريخ الأفكار المتطرفة وصناعة الإرهاب، فما أن يتم الإعلان عن القضاء على هذا التهديد حتى يتم إخراجه بصور وعناوين أخرى.

 قد توحي النجاحات الأمنية والعسكرية في بعض الدول بأن ظاهرة الإرهاب قد تراجعت، ولحقت بها هزيمة ساحقة، وهذا الأمر صحيح في بعض جوانبه، لكن أسباب هذا الخطر ما زالت قائمة، من خلال خطابات الكراهية المتداولة بين أقطاب ودول كبرى، وعبر ممارسات وانتهاكات تمس المقدسات والخصوصيات الدينية والوطنية. 

  والمؤسف أن هذا النهج المنحرف يتمادى ويتسع في مناطق كثيرة، سواء من خلال الحرب الدائرة في أوكرانيا، أو في الصراعات الناشبة مؤخراً في كاراباخ، وشمال كوسوفو، وفي مآسي المهاجرين واللاجئين. وما لم يتم التصدي لتداعيات كل هذه الأزمات، فإن الأوضاع ستخرج عن السيطرة، وتسقط جميعها في مستنقع الإرهاب، بأسوأ مما كان عليه الحال قبل سنوات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4sddrjc9

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"