انقلابات إفريقيا والتقلبات الدولية

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

بالتزامن مع بدء انسحاب القوات الفرنسية من النيجر، أمهلت السلطات العسكرية في نيامي منسقة الأمم المتحدة لويز أوبان 72 ساعة لمغادرة البلاد، رداً على حرمان المنظمة الدولية النظام العسكري من المشاركة في أعمال الجمعية العامة الشهر الماضي، في وقت بدأت تتكشف فيه حدة التجاذبات الدولية في منطقة الساحل الإفريقي المرشحة لمزيد من الانقسامات والصراعات الاستراتيجية.

بعد صمت تواصل لأكثر من شهرين تنبهت الولايات المتحدة إلى أن التحرك العسكري الذي أطاح في يوليو/ تموز الماضي رئيس النيجر المنتخب محمد بازوم كان «انقلاباً عسكرياً»، وعليه قررت إلغاء مساعدات اقتصادية بقيمة 442 مليون دولار، وبررت الخارجية الأمريكية هذا القرار ب«استنفاد كل الطرق المتاحة من أجل الحفاظ على النظام الدستوري»، ومن الطرق التي كانت متبعة في الفترة الماضية محاولة ثني سلطات نيامي عن التراجع عن قرار إنهاء التعاون مع القوات الفرنسية وطرد السفير، وكذلك عدم توثيق الصلة مع روسيا التي يحمّلها الغرب كل ما حدث من انقلابات في إفريقيا، وأساساً في النيجر وقبلها في بوركينا فاسو ومالي، وهاتان الدولتان دفعتا أيضاً القوات الفرنسية إلى الخروج من أراضيهما. ويبدو أن المحاولات الأمريكية أسفرت عن حقيقة أن تلك المنطقة من إفريقيا لم تعد ترغب في الحضور الغربي، بعدما وجدت التعاون مع قوى أخرى، مثل روسيا والصين، أكثر جدوى وبدأ يعود بالنفع السريع أفضل من العقود الطويلة التي خضعت فيها تلك الدول إلى الهيمنة الغربية.

بعد هذا الموقف الذي اتخذه قادة الانقلاب في النيجر، ستضطر الولايات المتحدة لاحقاً إلى سحب قوة قوامها نحو 1000 عسكري من ذلك البلد، كانت مهمتها تدريب القوات المحلية ورصد تحركات المتطرفين، على الرغم من أن هذا الخطر ما زال قائماً، إذ شهدت الفترة الماضية هجمات إرهابية استهدفت قوات الدول الثلاث، النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهو ما يثير مخاوف جدية من أن يحدث فراغ تستغله الجماعات المتطرفة لاستعادة أنشطتها التي باتت من أكبر التهديدات في إفريقيا.

ومهما تكن التداعيات والنتائج، فإن كل الملفات، بما فيها محاربة الإرهاب، هي في الأساس أوراق سياسية، وبحجة تحقيق هذا الهدف انتشرت القوات الغربية في منطقة جنوب الصحراء، وقد حققت بعض النتائج، لكن الأوضاع العامة ظلت على حالها، بل ازدادت سوءاً، ورداً على ذلك حدثت الانقلابات العسكرية الأخيرة، وهي بدورها تحولت إلى أوراق في لعبة الصراع الدولي بين الأقطاب المتنافسة على إعادة صياغة النظام العالمي.

بالتوازي مع التطورات الأخيرة في النيجر، قرّر المجلس العسكري الحاكم في مالي إلغاء التصريح الممنوح للخطوط الجوية الفرنسية لاستئناف رحلاتها إلى باماكو، وذلك بعد يوم من اتصال رئيس المجلس العسكري أسيمي غويتا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبحث معه تعزيز التعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب. ومثلما يؤكد هذا الاتصال حاجة هذه الدول الإفريقية إلى المساعدة الروسية، يؤكد أيضاً أن كل ما جرى ويجري فوق تلك الرمال الإفريقية جزء من التقلبات السياسية والعسكرية التي تعصف بالعالم كله وفي القلب منه القارة الإفريقية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4v5ttxkz

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"