الترف العلميّ يصنع الفارق

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل أدرتَ ذهنَك في عجائب الترف العلميّ وما تعنيه من أبعاد فلسفية واستشرافية؟ كلمة ترف لا تكفي، فالأمر، قياساً على العالم الثالث، يمثل البطر، لكنه بمنظار التقدم العلمي، ريادة فضاءات المستقبل البعيد. مسألة تتجاوز نطاق الخيال العلمي، لأن ما يحدث واقع ولو غير ملموس، وغير معلوم كيف يمكن التعامل معه أو الاستفادة منه في الحياة حاضراً.

لا شك في أن الأمر مقلق على الصعيد العربي، لأن الوسائل الضرورية لبلوغ هذا الترف العلمي غير متوافرة لدى الأغلبيّة، فالتنميات المتعثرة تتكاثر باستمرار، فالضروريات الأساسية للبقاء على «قيود» الحياة أهمّ من البحث العلمي في مستويات بطر علمي. هي ضرب من الخيال عند أكثر الناس، لكن هذا البطر هو الذي يصنع الفارق.

خذ هذه الأسطورة الواقعية، وتأمّل كم يدور دماغك في الثانية: ثلاثة علماء حصلوا على جائزة نوبل في الفيزياء 2023، تكريماً لأعمالهم التي أحدثت ثورةً في طريقة دراسة الإلكترون، من خلال إضاءة جزيْئات ببروق ضوء لمدة «أتّو ثانية». جائزة نوبل لا يمكن أن تعطى لغير الراسخين في العلم، فالمجال ليس من نسبيّات الأدب والسلام. «الأتّو ثانية» هي جزء من مئة مليون مليار جزء من الثانية. المسألة لا تخلو من الدعابة العلمية، فعدد الأتّو ثواني التي في الثانية، يعادل تقريباً عدد الثواني في ما مضى من عمر الكون، أي 13.8 مليار سنة. لسائل أن يسأل: وما أهمّية هذه المدّة الصفر؟ القضية هي أن الإلكترون يدور حول الذرّة بسرعة خارقة، فلا تتسنى دراسته بحال إلاّ في الأتّو ثانية. لا تقل: وما أهمّية الإلكترون؟ إنه هذا المارد اللاّمرئي في حياتنا ليل نهار، في الشبكة والسمعي البصري والجوّال والحواسيب، حتى الغسّالة والثلاّجة.

سيصيبنا الفيزيائيون بالجنون، لكنهم بدأوا بأنفسهم. اختلط حابل العبقرية بنابل الجنون. هل للعقل مجال، حين يغادر عالَم أكبر كبير، أي علوم الكون، إلى عالم أصغر صغير، أي فيزياء الكمّ، ويبحر في دنيا الجُسيْمات ما دون الذرّة؟ هو يدرك في نهاية المطاف أن المادّة ليست مادّة، وأن ما يقوم عليه كل شيء إنما هو معلومات، وهذه لا كتلة لها ولا حجم، فما هو الواقع إذاً؟ هو الوعي إذاً؟

علماء الفيزياء في حيرة علمية فلسفية أو صوفية: هل الواقع يشبه البرمجيّة؟ وما هو الواقع إذا كانت المادة الكونية المنظورة تشكل 5% من مادة الكون، و95% هي مادة سوداء وطاقة سوداء، وتلك النسبة الضئيلة هي نفسها ليست مادة في ما دون الذرّة؟

لزوم ما يلزم: النتيجة اللغزية: أليس عجيباً أن ذلك البطر العلمي هو الذي يصنع الفارق التنموي والحضاري، وأن اللحاق يحتاج إلى استثمارات مئات المليارات؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5hyrm24w

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"