عادي
الناتج الإجمالي لدول القارة يصل إلى 7 تريليونات دولار 2050

ماذا تستفيد إفريقيا من عضوية «العشرين»

00:57 صباحا
قراءة 7 دقائق
أعلام وأسماء دول العشرين
رئيس الوزراء الهندي يترأس الجولة الختامية والثالثة لقمة العشرين
زعماء الهند والبرازيل أكثر الذين دعموا عضوية الاتحاد الإفريقي في تجمّع العشرين
عثمان غزالي رئيس الاتحاد الإفريقي يأخذ مكانه في تجمّع العشرين
قمة تاريخية لدول العشرين في نيودلهي

د. أيمن سمير*

عندما كان الشاعر الكبير أحمد شوقي في المدرسة الإعدادية سأله أستاذه، كيف تصف إفريقيا؟ فردّ الطالب شوقي سريعاً ودون تفكير «هي أعظم جزء من الوجود... تشبه شكل العنقود». لكن تحليل تاريخ القارة الإفريقية خلال العقود؛ بل والقرون الماضية يقول إنها كانت فقط مكاناً للاستغلال والاستعمار وجلب الموارد الأولية، وتُركت نهباً للفقر والجوع وكل التنظيمات الإرهابية والظلامية والتكفيرية. وعلى الرغم من تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في 25 مايو 1963، والاتحاد الإفريقي في عام 2002 فإن المصالح الإفريقية ظلت بعيدة عن بؤرة اهتمام القوى الدولية المهيمنة على مقادير القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية، حتى إن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاي ساركوزي الذي تستفيد بلاده المليارات من إفريقيا كان لا يتوقف عن كيل الاتهامات لإفريقيا، ووصل به الأمر في إحدى المرات أن قال «رجال إفريقيا لم يدخلوا التاريخ بعد... ومشكلة إفريقيا هي أنها تعيش في الماضي.. في حنين إلى الجنة المفقودة الخاصة بالطفولة».

لكن مع تراجع هيمنة «القطب الواحد»، وظهور قوى دولية جديدة ترفع شعار «المكاسب للجميع» مثل روسيا والهند والصين، هنا كانت لحظة الاتحاد الإفريقي والدول الإفريقية؛ حيث كتب الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند أكثر من مرة أن «إفريقيا هي المستقبل»، وهو ما تشير إليه علوم المستقبليات التي كشفت أن إفريقيا سوف يتضاعف عدد سكانها بحلول عام 2075، وسوف يصل ناتجها الإجمالي عام 2050 إلى نحو 7 تريليونات دولار، وأنها سوف تكون وجهة للهجرة من دول وأقاليم أخرى منها أوروبا وآسيا. ولفتت الحرب الروسية الأوكرانية بكل مآسيها النظر إلى القيمة «الجيوسياسية» الرفيعة التي تتمتع بها إفريقيا، ولهذا جاء التفكير في تعزيز الحضور الإفريقي في «صياغة المعادلات الدولية» التي كان يُجرى حسابها من قبل دون أي اكتراث لإفريقيا، وهو ما عبّر عنه القرار الجماعي لمجموعة العشرين بضم «الاتحاد الإفريقي» إلى التكتل اعترافاً بما يمكن أن تقدمة إفريقيا لمستقبل البشرية، خاصة أن إجمالي الناتج الإجمالي للاتحاد الإفريقي زاد عام 2022 على 3 تريليونات دولار، ما يضعه ضمن أكبر 10 اقتصادات في العالم، فما هي المكاسب التي يمكن أن تحصل عليها الدول الإفريقية نتيجة للانضمام لمجموعة العشرين؟

إجماع نادر

القرار الوحيد الذي اتفقت عليه روسيا والصين وحلفاؤهما مع الولايات المتحدة وشركائها منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية هو الإجماع على ضم الاتحاد الإفريقي إلى تكتل العشرين ليصبح على نفس المكان والمكانة التي يحظى بها الاتحاد الأوروبي في التكتل الذي تأسس عام 1999 ويضم 19 دولة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، فطوال 20 يوماً من الشد والجذب حول 34 بنداً شكلوا الوثيقة الختامية لقمة العشرين في الهند، لم يستغرق إقرار «ضم الاتحاد الإفريقي» إلى مجموعة العشرين سوى دقائق معدودة، وهو ما يطرح سؤالاً عن العوائد التي تنتظرها دول العشرين من ضم الاتحاد الإفريقي.. والتي تتمثل في:

أولاً: كتلة تصويتية هائلة

فقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية أن إفريقيا ليست فقط مصدراً للموارد الأولية مثل القطن والكاكاو واليورانيوم؛ بل تحظى بقوة سياسية لم تكن تؤخذ في الحسبان من قبل، ففي مجلس الأمن، وكذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة تتهافت القوى مثل الولايات المتحدة على الأصوات الإفريقية؛ حيث تملك إفريقيا «كتلة تصويتية» ب 55 دولة، وهو ما يجعلها الكتلة التصويتية الأكبر في الأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية والإقليمية.

ثانياً.. «جسر بين الفرقاء»

حيث تسود القارة الإفريقية «الروح البراجماتية» التي تبدأ وتنتهي عند مصالح سكان القارة، وهو ما يجعل الاتحاد الإفريقي ودوله الخمس والخمسين تقف على «مسافة واحدة» من «حالة الاستقطاب» في العلاقات بين روسيا والصين من جانب، والولايات المتحدة من جانب آخر، ولهذا طرحت الدول الإفريقية «مبادرة السلام حول الحرب الروسية الأوكرانية»، وهو دور يحتاج إليه العالم بشدة في ظل التهديدات «بنسخة جديدة» من الحرب الباردة أو حرب عالمية ثالثة أو حرب نووية.

ثالثاً.. إعادة الهيكلة

أكثر الأسباب في نجاح مجموعة العشرين طوال ما يقرب من 25 عاماً أنها سعت على الدوام لتطوير أدواتها، و«النظر الدائم» في هيكلها، وكان تكتل العشرين من أكثر التكتلات الدولية الذي حظي بمرونة حافظت على مكانته على الساحة الدولية، فعلى سبيل المثال بعد سيطرة روسيا على القرم عام 2014 تم طرد روسيا من مجموعة الدول الثمانية الصناعية الكبرى، وعادت لمسماها القديم كسبع دول وليست ثمانية، لكن مجموعة العشرين أبقت على عضوية روسيا، وبنفس الروح والرغبة في ضخ دماء جديدة في شرايين مجموعة العشرين تم ضم الاتحاد الإفريقي حتى يتم تعظيم الاستفادة مما لدى الدول الإفريقية من إمكانيات وموارد تسهم في تخفيف الأعباء التي يعانيها الاقتصاد العالمي الذي قام في فترة طويلة على رؤية أفضت إلى «تراكم الثروات في دول الشمال، بينما تراكم البؤس والفقر في الدول الإفريقية».

رابعاً.. المعادن النادرة

على الرغم من أن تجمع العشرين يضم أكبر 20 اقتصاداً في العالم فإن هذه الدول تعاني نقصاً شديداً، خاصة ما يتعلق ب«المعادن النادرة» التي تدخل في صناعة الرقائق الإلكترونية، وأشباه الموصلات، وبطاريات السيارات الكهربائية، ويمكن لإفريقيا أن توفر لدول العشرين تلك المواد التي تدخل في صناعة الصواريخ والطائرات المسيّرة، وأجهزة الاتصالات والأقمار الصناعية، خاصة أن إفريقيا تزخر بالكوبلت والليثيوم والبوكسيت والكروم والبلاتين ومادة «الكولتان»، وهي المادة التي توجد في شرق الكونجو، وتتهافت عليها شركات تصنيع الأسلحة لأنها تدخل في صناعة رؤوس الصواريخ.

خامساً.. سوق كبير

تعدّ القارة الإفريقية من الأسواق الكبيرة والواعدة، ففي الوقت الحالي يعيش في دول الاتحاد الإفريقي نحو مليار و300 مليون نسمة، ولذلك، فإن الاتحاد الإفريقي يمثل سوقاً كبيراً، ويعد إضافة لمجموعة دول العشرين، ويمثل سوقاً كبيراً لمنتجاتها.

سادساً.. معادلة الطاقة

لا يمكن تجاهل ما تمثله إفريقيا في معادلة الطاقة، فخطوط نقل الغاز والنفط من مصر والجزائر وليبيا والجابون ونيجيريا والكاميرون إلى أوروبا خير شاهد على ما تتمتع به إفريقيا في سوق الطاقة الدولية، والعضوية الكاملة للاتحاد الإفريقي في تجمّع العشرين سوف يعزز أمن الطاقة العالمي الذي تعرض لضربات كبيرة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وفرض عقوبات على قطاعات النفط والغاز واليورانيوم والفحم الروسية.

وفي المقابل هناك سؤال أكثر أهمية وهو: ماذا يستفيد الأفارقة من تجمّع العشرين؟

وبكل تأكيد تتنوع المكاسب التي يمكن أن تحصل عليها إفريقيا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وأبرز تلك المكاسب هي:

1 - مكاسب سياسية

قبل انضمام الاتحاد الإفريقي كانت جنوب إفريقيا هي الدولة الوحيدة في التكتل الدولي الذي يشكل 85 % من الناتج العالمي، و75 % من التجارة الدولية، ونحو ثلثي سكان كوكب الأرض، لكن الآن باتت كل دول الاتحاد الإفريقي يمكن أن تعبّر عن مصالحها عبر بوابة الاتحاد الإفريقي.

2 - توطين التكنولوجيا

أكثر المكاسب التي يمكن أن تحصل عليها إفريقيا من الانضمام لتكتل العشرين هو توطين التكنولوجيا اللازمة لتصنيع المواد الأولية، فمشكلة إفريقيا كانت على الدوام هي بيع مواردها في الشكل الخام، وتصنيع تلك الموارد سوف يضاعف مرتين أو ثلاثاً الناتج الإجمالي لإفريقيا، كما تستطيع إفريقيا مواجهة العديد من التحديات عبر عضويتها في تجمّع العشرين عبر تحديث القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية.

3 - إعادة تعريف الشراكة

هناك تقدير موقف لدى الأوروبيين بأن الماضي الاستعماري والأنانية السياسية في التعامل مع إفريقيا حتى بعد الاستقلال أبعدت الأفارقة عن الأوروبيين، وأن هذه الأنانية السياسية هي التي تقف وراء غالبية الانقلابات العسكرية «في مالي وبوركينا فاسو والنيجر والجابون»، وما يستجد منها في الفترة القادمة، كما أن إفريقيا تحوّلت عن الشراكة الاقتصادية والعسكرية بعيداً عن الاتحاد الأوروبي، وأصبحت الصين هي الشريك التجاري الأول لإفريقيا بنحو 255 مليار دولار، كما أن كل الدول الإفريقية بلا استثناء تشارك في مشروع «الحزام والطريق الصيني»، وباتت روسيا هي الشريك الأمني للقارة ليس فقط من خلال مجموعات فاغنر؛ بل من خلال التدريب المشترك، ونحو 40 بعثة عسكرية إفريقية تتلقى تعليمها في روسيا، وهو ما يعني أن النخب العسكرية الإفريقية في المستقبل القريب سوف تكون موالية وداعمة للرؤية والرواية الروسية، وليس «للتبعية الأوروبية»، كل هذا دفع الاتحاد الأوروبي إلى التفكير في «إعادة تعريف الشراكة مع إفريقيا» بعد انضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين، وقدم قادة من الاتحاد الأوروبي أمثال رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فانديرلاين الدعم الكامل لانضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين، لكن ما قاله المستشار الألماني أولاف شولتز هو الأقوى عندما قال: «إن إفريقيا يجب أن تلعب دوراً دولياً أكبر، لتعكس مكانتها المتزايدة في نظام عالمي متعدد الأقطاب، ومنقسم على نحو متزايد، صوت أقوى لإفريقيا». كما سبق لمفوضية الاتحاد الأوروبي أن دعت إلى مبادرة «الاتفاق مع إفريقيا»، والتي قالت فيها إن «الأوروبيين جادون في فتح فصل جديد في تعاونهم، والالتقاء على نفس المستوى عند مناقشة التحديات المشتركة مثل الأمن والهجرة والتنمية الاقتصادية وتغير المناخ، وكل هذا يعكس «تنامي الوعي» بالدور الذي يمكن أن تقوم به إفريقيا في معادلة التنمية المستدامة خلال الفترات القادمة.

4 نهاية عصر «المفعول به»

دائماً ما كانت إفريقيا في خانة «المفعول به»، وحتى القرارات التي تؤثر فيها بشكل مباشر كانت تؤخذ في الغرف المغلقة بعيداً عن الوعي والمصالح الإفريقية، لكن مع دخول الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين سيكون صوت الأفارقة أعلى في المؤسسات والمنظمات الدولية، فعلى سبيل المثال تدفع إفريقيا ثمناً باهظاً للتغيرات المناخية على الرغم من أنها لا تتسبب إلا في 4 % فقط من الانبعاثات الكربونية، والعضوية في تجمّع العشرين سوف تساعد الاتحاد الإفريقي في «الترافع عن قضاياه» خاصة عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب، والعدالة والإنصاف التجاري، والأمن الغذائي.

5 - «إصلاح للديون»

القارة الإفريقية تعاني تراكم الديون وعدم قدرة الكثير من دولها على دفعها، وتكتفي فقط بدفع «أرباح الديون»، ولهذا مع دخول الاتحاد الإفريقي لقمة العشرين تعالت الأصوات بضرورة إصلاح المؤسسات المالية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ونادي باريس، كما توجد دعوات حقيقية لإسقاط أو تخفيف الديون حتى تستطيع إفريقيا أن تشارك في هدف قمة العشرين وهو تحقيق «التنمية المستدامة»، إضافة إلى تبنّي الكثير من دول العشرين مثل الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لخيارات تسعى في النهاية إلى تحسين ظروف الاستثمارات الخاصة، ومشاريع البنية التحتية في إفريقيا.

المؤكد أن إفريقيا بعد الانضمام لتجمّع العشرين أصبحت لديها «فرص هائلة» كي تلعب دوراً كبيراً في القرار السياسي والاقتصادي العالمي بشرط نجاح الاتحاد الإفريقي في تجاوز الخلافات بين الدول الأعضاء، وبلورة «مقاربة إفريقية مشتركة» تسهم في صياغة قرار اقتصادي موحّد يسهم في تعظيم «القيمة المضافة» للشراكة الإفريقية مع مختلف التكتلات السياسية والاقتصادية الدولية.

* [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4k489kec

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"