صلابة النعومة في الإعلام والثقافة

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

هل من إحراج للمثقفين والإعلاميين العرب، في طرح هذه الأسئلة الواخزة، لكنها ليست لها قدرة الإبر الصينيّة على العلاج؟ شيء غير طبيعيّ في بيئة عربية تضم أربعمئة مليون نسمة، أن نسأل: ما هو دور المثقفين والإعلاميين في الأزمات، في الشدائد، في المفاجآت المزلزلة على صعيد الجغرافيا السياسية؟ ينام الناس على أبيات رومانسية في ديوان شعر أو همسات ليل على الشبكة، ويستيقظون: «وإذا النور نذير طالعٌ.. وإذا الفجر مطلّ كالحريق». سؤال عادي كهذا، أغلب الظن أنه لم يُطرح في أيّ مركز بحوث عربي، منذ مطلع القرن العشرين.

الإعلام والثقافة من الأركان الأساسية لأيّ بلد نجح في تحقيق تنمية شاملة ورفَعَ رايةَ وطنه وهامةَ شعبه عالياً عالميّاً، لأن هذه المكانة تحتاج إلى ألسنة مبينة، ومولّدات أفكار رصينة، وكشّافات شديدة الإشعاع يتجنّب بها المنحدرات الوعرة والمهاوي. أمّا في الدول المتعثرة تنمويّاً في جميع المجالات، فإن عليها أن تدرك أن الثقافة والإعلام، بإيجاز: «لا حياة لمن تنادي»، لأن من أسباب التخلف انعدام وجود أيّ دور لهذين المجالين. في البلدان المتقدمة لا تقتصر مهمّة الإعلاميين على نشر الأنباء اليومية وبثّها، ولا ينحصر دور المثقفين في نقد الشعر والرواية والمسرح والسينما.

المؤسف هو أن حليمة الكثير من وسائط الإعلام العربي، لا تزال تعود إلى عادتها القديمة، كلمّا صحا العرب على عاصفة صفراء في الأفق: الشعارات، الهتافات، لكن ماذا بعد «فشّة الخلق»؟ اليوم أيضاً نذكّر بأبي الطيب قائلاً: «ديارُ اللواتي دارهنّ عزيزةٌ.. بطول القنا يُحفظن لا بالتمائمِ»، ولك أيضاً أن تصغي إلى شرحه هذا المعنى البنيويّ المكثّف في شطر بيت يشكّل نظرية استراتيجيّة فريدة: «أعلى الممالك ما يُبنى على الأسلِ»، الرماح العوالي. لا تستطيع الدولة التي تؤمن بعزّتها، وتعتَزّ بإيمانها بسلامة وطنها وشعبها، الاستغناء عن ضمان مقوّمات الأمن والأمان. هنا، الدرس العظيم تأخذه السياسة الرشيدة عن الطبيعة: تأمّل المكانة الحيويّة التي يحتلها جهاز المناعة في الجسم، أجسام جميع الكائنات الحيّة، في النبات والحيوان والإنسان.

ما يجب ترسيخ تأسيسه في الإعلام العربي، هو إعادة بنائه على التحليل الموضوعي الواقعي العقلاني من دون تحريض تهييجي، فتجارب الإعلام الذي ظل سائداً طوال عشرات السنين لم تزد الطين إلا بلّة بعد بلّة، وعلّة على علّة. ونتمنى لإعلامنا العربي أن يحافظ على الهدوء والرصانة، ويقيناً عدم الاقتداء بوسائط الإعلام الغربية، التي غرقت في وحول استغباء شعوبها والازدراء بقضايا الشعوب عبر الافتراءات العارية، فهي لم تعد حتى قادرة على تلفيق أكاذيب تدوم ساعة.

لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: الإعلام والثقافة قوّتان صلابتهما في نعومتهما.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/u9we76w9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"