غزة والسياق الدولي

00:50 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

تؤكد التحذيرات الغربية المتزايدة من اتساع الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة لتصبح حرباً إقليمية شاملة، يقيناً لدى صنّاع القرار في الولايات المتحدة والدول الأوروبية بأن هذه المواجهة لها ما بعدها وفيها من التفاصيل والخفايا ما يجهله كثيرون، وتأتي في فاصل تاريخي حاد بين نظامين عالميين، أحدهما ينهار والثاني يتشكل.

الدعم الغربي المطلق لإسرائيل والوقوف معها «كتفاً لكتف» في هذه المواجهة، قفز على قيم الحضارة الحديثة ومبادئ حقوق الإنسان التي طالما سخّرها الغرب قروناً لخدمة مصالحه. وبعدما سارع إلى الإدانة الشديدة لهجوم حركة «حماس» على العمق الإسرائيلي في السابع من أكتوبر، لم تتجرأ دولة أو حكومة غربية على إدانة عمليات الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. فلا يعقل أن يسود هذا الصمت المريب على قتل نحو 120 طفلاً كل يوم بفعل الغارات المجنونة على المناطق المأهولة والمستشفيات والمرافق المدنية. ولا يمكن قبول أن يكون الدعم لتل أبيب مطلقاً بهذه الصورة، بينما يتم التنكر لحقوق الفلسطينيين الأصيلة في الحياة والحرية والسيادة وإقامة دولتهم المستقلة وفق القرارات الدولية.

لم يبدأ الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين بهجوم السابع من أكتوبر، بل ذلك الحدث كان نتيجة حتمية لعقود من الاحتلال والحصار والاستيطان والقتل المجاني للأبرياء. وتجاهل هذه الأسباب يخل بالجهود الرامية إلى إنهاء التوتر واستعادة الهدوء في المنطقة، ويضرب مصداقية المجتمع الدولي، والتكتل الغربي منه، الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، عندما اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا، واخترع في أيام معدودات 17 ألف عقوبة على موسكو، لكن هذا التكتل الغربي يقف في غزة إلى جانب المعتدي ويمده بالأسلحة الفتاكة والغطاء القانوني لتبرير قتل المدنيين بالجملة. وعندما دان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المذبحة الدائرة في غزة، تم الانقضاض عليه بسرعة فائقة وصدرت على الفور دعوات لإقالته بسبب خروجه عن الخط الداعم لإسرائيل.

بعد أيام من انفجار هذا العنف الدموي حذر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من السقوط الأخلاقي للمنظومة الغربية، مشيراً إلى الفارق في الموقف بين ما يجري في أوكرانيا وما يحدث في غزة. وهذه الإشارة تؤكد وعياً مكبوتاً بأن سياسة الكيل بمكيالين لن تثمر لدى من يكيل بها، وأن توظيف القانون الدولي ومواثيق المنظمات الدولية في غير العدالة والمساواة بين الأمم والشعوب، سيفاقم الفوضى العالمية ويعجل بنهاية التوازنات المختلة. وعند وضع شلال الدم الجاري في قطاع غزة ضمن السياق العالمي الأشمل، لا يمكن الاستهانة بالتداعيات، التي لا تخطر على البال، إذا لم يتوقف هذا الجنون فوراً ويستعيد الضمير الإنساني نبضه الحي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/sh22rjvx

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"