لا تكن «جثة مُعَطّرة»

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

في 2 نوفمبر 2021، وفي هذا المكان كتبت في أن حيوية العمل الصحفي تكمن في أنه عمل ميداني في الأساس، واليوم يثبت بالصورة والصوت أن صحافة الميدان هي صحافة الإعلاميين التلفزيونيين بأداتين فقط، الميكروفون، والكاميرا.. غابت تماماً في الصحافة العربية ظاهرة الصحفي الذي يذهب من تلقاء نفسه أو تنتدبه صحيفته ليغطي الحدث بالكاميرا والقلم، أو الكاميرا والمادة المكتوبة إما مخطوطة أو مصفوفة بالكمبيوتر، وأقصد به صحفي الجريدة الورقية الذي يرسل إلى جريدته مادة ميدانية حية الأكثر حرارة فيها تلك القصص الإنسانية بكل ما فيها من حزن وتفاؤل في الوقت نفسه.. هذه الصحافة انتهت منذ عقدين وربما أكثر، لا بل إن بعض الصحف العربية كانت تخصص صفحة أو أكثر تحت ترويسة يومية أو أسبوعية ثابتة هي: «مراسلون»، وبالطبع يُفترض بالمراسل الصحفي الذي يبعث بمادة يومية أو أسبوعية إلى جريدته أن يكون صحفي ميدان لا صحفي أرشيف وتدوير مادة عن مادة.

صحفي الميدان عادة ومن خلال تاريخ الصحافة الورقية يحمل في داخله قماشة الكاتب، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الصحفي جاء إلى المهنة من ينابيع الأدب كأن يكون روائياً أو شاعراً، بل يفترض فيه أن يحمل قدراً معقولاً من طبيعة الكاتب الذي لا يغرق في لغة الأدب، بل، يوظف هذه اللغة، ومن بعيد، لتخدم قصته الصحفية.. أو مادته الصحفية.. إن الأساس في صحفي الجريدة والمقصود به هنا صحفي الميدان سواءً أكان مراسلاً أو منتدباً أو مستقلاً أن يمتلك القدرة على تحويل قصة الميدان الصغيرة إلى رواية صحفية «كبيرة» في وظيفتها المهنية والأخلاقية والإنسانية، الأمر الذي يحوّل المراسل الميداني من صحفي إلى كاتب، وقد يتذكر البعض هنا أن ماركيز كان صحفياً قبل أن يكون روائياً وهو اتجاه صعب، أما الاتجاه الثاني، أي إمكانية تحول الأديب أو الكاتب إلى صحفي فهو الاتجاه الأسهل.. دعنا لا نبتعد عن الفكرة الأساسية لهذه المقالة: «صحفي الجريدة الميداني»، فالأمر ليس صعباً ولا مستحيلاً، فقط المبادرة، إما مبادرة الصحفي نفسه أو مبادرة الجريدة، تماماً كما هو الحال في صحافة الكاميرا والميكروفون «صحافة التلفزيون» حيث يمتلئ الهواء اليوم بشبكة ميدانية عالمية من المراسلين الكثير منهم لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين والأربعين من العمر، وبكلمة ثانية هي، إذاً، صحافة شبابية دمها حيوي وحار إن جازت العبارة، فتتصف إذاً بالجرأة والشجاعة، ويقال أحياناً، إن الحدث الميداني قد يصنع من الصحفي نجماً مهنياً إذا امتلك الثقافة أيضاً إلى جانب الجرأة والشجاعة، وجعل من متاعب الميدان قصته الخاصة حين تتماهى قصص الناس مع ذاته الإنسانية والمهنية..

صحيح، الصحافة.. مهنة المتاعب، لكنها في الوقت نفسه مهنة ذات وجه بطولي.. بطولة الضمير فقط قبل وبعد أي شيء.. والإنسان بلا ضمير «جثة مُعَطّرة» كما وصف سيوران الغرب الأوروبي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4h6sk2ar

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"