عادي

الغلاف.. وجه الكتاب

00:01 صباحا
قراءة 6 دقائق
1

القاهرة: وهيب الخطيب

يقولون «لا تحكم على الكتاب من غلافه أبداً»، لكن من حيث التسويق، فإن أغلفة الكتب لها أهمية كبيرة عند جذب انتباه محبي الكتب وإجبارهم على الشراء؛ بفضل تصميم الغلاف المميز، ويصبح من الأسهل على الناشرين ترويج المنتج وبيعه. علاوة على ذلك، يمكن للقرّاء المحتملين والمستهدفين، الحصول على لمحة عمّا يمكنهم توقعه داخل الصفحات من خلال إلقاء نظرة سريعة على الغلاف، شريطة أن يكون التصميم ممتازاً وجذاباً.

لا يمكن أن يختلف اثنان على أن الغلاف أصبح أحد أهم عوامل نجاح الكتاب مثله في ذلك مثل اسم المؤلف وجودة النص. ومن ثم يشدد أصحاب ومديرو دور النشر على وجوب مراعاة عنصر الجذب عند تصميم الغلاف، وكثيراً ما ترفض الدور تصاميم، لأنها مغرقة في الطابع الفني الجمالي، وتفتقد إلى فكرة الجاذبية التسويقية. ومع أن الكتاب في الأصل «قيمة فكرية» لكنه أيضاً منتج تجاري.

وفي بعض الأحيان يسيطر الغلاف على محتوى الكتب، ليصبح التصميم هو البطل، وموضوعاً للنقاش، ويحتل المرتبة الأولى من حيث التأثير، خاصة إذا اتسم بسمات عدّة؛ أهمها البساطة وإبراز العناوين، شريطة أن تكون برسم هادف وأخبار مخصصة وألوان تعكس فحوى المضمون.

نموذج ناجح

ولهذه الأهمية التي تصل أحياناً إلى حد الهيمنة على المحتوى، يمكن الإشارة إلى بعض النماذج الناجحة، والتي حققت معادلة صعبة، جذب القارئ من دون السطو على الكتاب ذاته، مثلاً ارتبط قرّاء الأديب العالمي نجيب محفوظ بأغلفة رواياته، المختلفة في تصميماتها بمرور الزمن بداية من «مكتبة مصر»، والتي صمم أغلفتها الفنان التشكيلي الكبير جمال قطب، وصولاً إلى تصميمات الفنان حلمي التوني في طبعات دار الشروق.

ولا يمكن أن تسقط في تاريخ الأديب الأبرز في العالم العربي أغلفة الراحل جمال كامل، الذي برع في تصوير شخصيات محفوظ على صفحات مجلة صباح الخير التي صدرت في 1956، خالصة للفن الجديد. كذلك رسومات سيف والي التي صاحبت رسوماته فصول رواية «المرايا» التي نشرت أولاً مسلسلة في عام 1970 في مجلة الهلال وقت أن كان رجاء النقاش رئيساً للتحرير.

كما سبق أن أثارت أغلفة كتابات نجيب محفوظ سجالاً في مصر بين الفنانين والكتّاب والجمهور المهتم بالقراءة، إثر الإعلان عن صدور طبعة حديثة من أعمال أديب نوبل ضمن مشروع لإعادة تقديم أعماله، اعتمدت الطبعة الجديدة تصميماً للأغلفة على نحو مختلف لقي ردود فعل متباينة.

مهمة ليست صعبة

في عالم التطورات التكنولوجية الفائقة، والتحديث الهائل الذي يجري على نحو منتظم، أصبح من حسن الحظ إنشاء غلاف كتاب بأفكار تصميمية «ليست مهمة صعبة». بينما يستطيع المصمم طرح أفكار التصميم، فإن المساعدة من صانع أغلفة الكتب تكون مفيدة. وهناك برامج تساعد في تحقيق ذلك مثلاً برنامج DIY الذي يمكن الفرد من العشرات من أفكار أغلفة الكتب.

وبحسب تقرير على موقع designhill، فإنه سواء كنت تصمم بنفسك أو تكلف مصمماً، يجب أن يوضح غلاف كتابك الموضوع الرئيسي. وأن يكون القارئ قادراً على معرفة نوع القصة التي يرويها الكتاب. هل هي رواية رومانسية أم تتناول الرحلات والأسفار أم تدور حول مغامرة؟، وهل يحكي الكتاب قصة رعب؟ مهما كان النوع، فإن نجاح تصميم غلاف الكتاب، يكمن في نقل القصة إلى القرّاء المحتملين.

أشكال

وعن أشكال وأنواع الأغلفة المختلفة، يمكن الإشارة إلى أن بعض الناشرين يفضلون الغلاف القائم على لوحة لفنان تشكيلي؛ حيث يحقق هنا هدفاً مزدوجاً؛ يتمثل في التعبير الفني عن النص من ناحية، والإسهام في نشر الفن التشكيلي من ناحية أخرى.

أما عن معايير الجاذبية، فثمة أمور عدّة، أولها بالطبع معرفة المزيد عن المؤلف. هل هو اسم أدبي معروف بين الجمهور أم أنه في بداياته؟ إذا كان المؤلف اسماً معروفاً بالفعل، وتم نشر العديد من الكتب، فستكون معايير جودة غلاف الكتاب أعلى بكثير من المتوسط.

وبعد المؤلف، معرفة نوعية الكتاب. على سبيل المثال، هل الإصدار رواية رومانسية أم هو رعب أم خيال علمي؟ سيكون للغلاف تصميم يتحدث عن النوع ويناسبه، نظراً لأن الهدف هو البيع.

وحسب نصائح الكاتب تيم كريدر، في صحيفة ذا نيويوركر، فإن تصميم غلاف كتابك الخاص هو نوع من القوة التي ربما لا ينبغي أن يُعهد بها إلى العبثيين. فالغلاف يشبه إلى حد ما اختيار وجهك. هل جرب أحد أن يختار شكله؟ هنا تتساءل ما نوع الوجه الذي سيعبر بشكل أفضل عن نفسك الداخلية؟ ربما الأهم من ذلك، ما نوع الوجه الذي سيجعل الآخرين يحبونك أو يحترمونك؟

ويضيف كريدر أنه في الأغلب هناك انفصال بين الطريقة التي يحاول بها الناس تقديم أنفسهم وكيف يُنظر إليهم فعلياً، ولهذا السبب يطلبون من أصدقائهم أن يخبروهم بصدق كيف ينظرون إلى شيء ما، ولماذا تقوم دور النشر بتعيين مصممين محترفين لأغلفة الكتب وتسمح لهم بذلك.

تصميمات ملهمة

قبل البدء في تصميم الغلاف، يشدد خبراء الأدب الغربيون والمتخصصون في تسويق الإصدارات الثقافية على ضرورة الفحص الجيد ل«التصميمات الملهمة»، التي جرى استعمالها من قبل، بغرض الوقوف على عناصر الجذب ودراسة استراتيجية التصميم. الأمر الذي يمكن تحقيقه من خلال زيارة متاجر الكتب ومقارنة التصميمات ببعضها.

بالطبع، تعطي المقارنة الجيدة بين الأغلفة المتعددة فكرة واضحة عن الشكل الذي يجب أن يبدو عليه الغلاف. وبالمثل، ستوفر العشرات من أغلفة الكتب نظرة ثاقبة لما يجب أن يكون عليه تصميم الغلاف الجذاب، فضلاً عن وجود منصات مثل Dribble وDesignhill، تسهم في العثور على تصميمات ملهمة لأغلفة الكتب.

عنصر بارز

وفي تقرير نشر في منصات غربية عدّة، تقرأ تشديداً على ما سمي ب«تسلسل هرمي مرئي»؛ إذ عادة، يحتوي التسلسل الهرمي المرئي لتصميم غلاف الكتاب على العنوان والرسومات التي تم إنشاؤها بشكل بارز. وبعد ذلك، تتوالى العناصر الأخرى، مثل العنوان الفرعي واسم المؤلف وما إلى ذلك؛ أي أن التسلسل الهرمي يعني قصدية أن يرى المشتري المحتمل بعض عناصر التصميم الأساسية أثناء وقوفه أمام رف الكتب، فعلياً أو افتراضياً.

البساطة

ومع هذه النصائح والإرشادات، كذلك التشديدات على أهمية إبراز العناصر ووضوحها، لا يتناقض ذلك في تأكيد البساطة؛ إذ إنها المفتاح الرئيسي لصناعة الجذب ولفت الانتباه، أما في حال وجود عدد كبير من الصور وأنواع الخطوط، فسيؤدي ذلك إلى فوضى في التصميم. والغلاف الفوضوي قد لا يجذب القرّاء المحتملين.

هنا، ترى المدونة آن كارتون وجوب اختيار عنصر مهيمن واحد فقط، مثل صورة واحدة للغلاف. ويمكن أن يكون أيضاً العنوان ذاته. وينبغي لبقية العناصر القليلة تأكيد هذا العنصر الرئيسي، قبل أن تعود وتقول «اترك الكثير من المساحة البيضاء أيضاً». فالبساطة ربما الطريق الأقرب لعيون القرّاء المتلذذين في عوالم القراءة.

ولا تنسى كارتون أن تشير إلى أهمية الخطوط، لأنها مع الألوان تشكلان عنصرين حاسمين في أي تصميم. «تأكد من الاستخدام المدروس لهذه العناصر الحيوية؛ إذ يثير اللون مشاعرنا، والتي يستخدمها المصمم كوسيلة لنقل رسائل مختلفة».

أرشيف وسخرية

إذاً، الأغلفة بوابة القارئ للكتاب، كما العنوان واسم المؤلف، وجرّاء أهميتها دشن الكاتب والباحث في مجال التصميم محمود الحسيني، منذ سنوات قليلة، مبادرة لأرشفة تاريخ تصميم الأغلفة سمّاها «أرشيف الغلاف العربي»، وهي مبادرة غير ربحية.

المبادرة التي تعد الأولى من نوعها في العالم العربي، تعنى بأرشفة تاريخ أغلفة الكتب العربية وتطورها على مر السنوات، لتصبح مرجعاً لكل مهتم بهذا المجال؛ إذ نجحت المبادرة المعتمدة على فريق من الباحثين من دول عربية عدة، في توثيق ما يقرب من 4000 غلاف لكتب عربية متنوعة صدرت منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى الآن ليقدم توثيقاً بصرياً عن شكل وتطور أغلفة الكتب على مر السنوات.

ويقول الحسيني، في حوار صحفي عن المبادرة، «دشنتها لأنّني كنت أشعر دائماً أن هناك عدم اهتمام بتاريخ تصميم أغلفة الكتب بشكل عام في العالم العربي. فأنا مؤمن بأنّ أغلفة الكتب تخدم رسالة الكتاب نفسه، وشخصياً أستمتع بأغلفة الكتب القديمة أكثر مقارنة بالحديثة»، موضحاً أن دراسته في الماجستير عنيت بتصميم الاتصالات الجرافيكية من جامعة لندن للفنون، وهي التي جعلته على دراية بكيفية صنع التصميم العربي، مقارنة بالغرب وكيفية تصميمهم لأغلفة الكتب، ليقرر بدء الموضوع بنفسه «حاملاً معه ما تعلمه في لندن، لتحويله إلى مشهد مرئي».

كوميديا ساخرة

انتشرت منذ عامين فكرة «ساخرة» عرفت باسم «أغلفة موازية»، بدأها المترجم محمد الفولي؛ إذ نشر مجموعة من الأغلفة للروايات على حسابه الشخصي في فيسبوك مع هاشتاج أغلفة موازية، تضمنت صوراً ساخرة لأغلفة روايات، إما باستخدام أشهر أفيشات الأفلام وإما بمشاهد فنية من الأعمال العربية المختلفة في السينما والدراما، ليعبر بذلك عدد من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي عن رؤيتهم لهذه الروايات بطريقة كوميدية حد تقارير صحفية حينها.

وأوضحت التقارير أن ردود الأفعال لم تكن متوقعة، فالبعض رأى أن تصميم أغلفة أشهر الكتب والروايات بطريقة ساخرة سيثير غيرة القارئ العربي، وآخرون اعتبروا أنه سيزعج كتّاب هذه الروايات والأعمال الأدبية، إلا أن أصحاب الروايات أنفسهم شاركوا في الحملة الساخرة وأعادوا نشر الأغلفة الموازية لرواياتهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4wzwxnys

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"