غَزَل أمريكي ملغوم

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

مرّت العلاقات الأمريكية - الصينية بمراحل متعددة من الشدّ والجذب، منذ أن قام الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، بزيارة بكين عام 1972، ثم باعتراف الرئيس جيمي كارتر، بجمهورية الصين الشعبية بشكل رسمي عام 1978.

أحد أهداف الاعتراف بالصين يومها، كان إبعادها عن الاتحاد السوفييتي، والسعي إلى إغراء بكين باستبدال تحالفاتها، الأمر الذي لم يتحقق.

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي شهدت العلاقات الأمريكية الصينية تحسناً ملحوظاًَ، وبدت السوق الصينية مغرية للاستثمار الأمريكي، وكذلك السوق الأمريكية للصين التي انضمت لمنظمة التجارة العالمية عام 2001. ثم بدأت بكين بعد ذلك تحث الخطى، اقتصادياً وسياسياً وإنمائياً، وتحولت إلى منافس حقيقي للولايات المتحدة، وأصبحت تحتل الموقع الثاني بعد الولايات المتحدة، ثم أخذت تتوسع في مختلف القارات لتشكل تحدّياً حقيقياً للولايات المتحدة، بعدما نجحت في تقديم نفسها كدولة تركز على التنمية العالمية، وتحديداً بالنسبة إلى الدول النامية، من خلال مشاريع عملاقة، مثل «الحزام والطريق»، وصندوق التنمية، وإقامة تحالفات مع العديد من الدول الصاعدة، مثل مجموعة «البريكس»، و«منظمة شنغهاي للتعاون»، وغيرهما، الأمر الذي أثار قلق واشنطن التي رأت أن الصين بدأت تنافسها في أكثر من ميدان، وقارّة، وتسعى لإعادة تشكيل نظام عالمي جديد، وتحديداً بعد أن بدأ التعاون الصيني - الروسي يأخذ أبعاداً جديدة، مع إعلان البلدين عزمهما على إقامة نظام عالمي جديد، أكثر عدلاً وإنسانية ومساواة، بدلاً من النظام الحالي القائم على الهيمنة، والتفرّد، والقوة.

وفي استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أعلنها الرئيس، جو بايدن، تم اعتبار الصين «التحدي الأكبر للنظام العالمي»، ويجب على الولايات المتحدة «الفوز في المنافسة مع بكين»، ولذلك عمدت إلى اتباع سياسة مواجهة واسعة معها، من خلال إقامة شبكة من التحالفات العسكرية، مثل «تحالف أيكوس»، وتحالف «كواد» مع دول جنوب شرق آسيا، بهدف محاصرة الصين، إضافة إلى فرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية والتكنولوجية عليها. لكن تعزيز التحالف بين الصين وروسيا بدأ يؤرّق صناع السياسة في واشنطن، خوفاً من تبعات ذلك على الحرب الأوكرانية، فبدأوا مقاربة جديدة مع بكين في محاولة لإبعادها عن موسكو، من خلال الحديث عن تحسين العلاقات معها، وعدم انتقال المنافسة إلى صراع، عبر لقاءات متعددة بين الطرفين، في محاولة لردم الهوة بينهما، على أمل أن يشكل اللقاء المرتقب بين بايدن، والزعيم الصيني شي جين بينغ، في سان فرانسيسكو، على هامش قمة «آبيك»، نقلة نوعية في العلاقات.

إن بكين تتطلع بدورها لتحسين العلاقات على أساس المنافسة، لكنها لن تفرط في علاقاتها مع موسكو التي تشاركها الموقف في أكثر من قضية، كما أن حجم الخلافات مع واشنطن ليس هيّناً، خصوصاً تجاه مسألة تايوان، وبحر الصين الجنوبي، والتحالفات العسكرية الأمريكية، والعقوبات.

من المؤكد أن بكين لن تقع في الفخ، ولن تكون العلاقات مع واشنطن على حساب موسكو.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4zj6v8xx

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"