الصورة أبلغ من الكلام

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

لأول مرة، ربما في تاريخ الحروب، تتناقل شاشات التلفزة في كل أنحاء العالم صورة المأساة والكارثة المروّعة التي تجري في قطاع غزة لحظة بلحظة ومن الألف إلى الياء، لكن هذه الصورة لم تكن بمنأى عن محاولات التحطيم والتشويه سعياً لفرض رواية أحادية أو سردية معينة بهدف التضليل والتعمية على الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين على مرأى من المجتمع الدولي.

بهذا المعنى، فقد دخلت الصورة، منذ اليوم الأول للحرب المستعرة في قطاع غزة، في دائرة المعركة، وأصبحت جزءاً أسياسياً من عملية نقل الوقائع على الأرض وفضح الانتهاكات ومحاولات الالتفاف على قواعد القانون الدولي، والسعي لكسب الرأي العام العالمي.

في الأيام الأولى لهذه الحرب، تفوقت الرواية الإسرائيلية في نقل الصورة التي تريدها إلى المجتمع الدولي، لكونها أصلاً جزءاً من المنظومة الإعلامية العالمية الداعمة لإسرائيل، والتي تخضع لها، في الحقيقة، من خلال هيمنتها على الشركات الإعلامية الكبرى وعلى كبار الصحفيين وإدارات التحرير، ناهيك عن البيئة الثقافية الغربية المتناغمة معها والمهيأة لتصديق الرواية الإسرائيلية من حيث المبدأ.

لكن مع مرور الوقت، وانكشاف حجم المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين، وحجم الدمار الهائل الذي خلفه القصف الإسرائيلي في البنى التحتية، وحرمان المدنيين من الماء والغذاء والدواء والكهرباء واستهداف المستشفيات وقطع الاتصالات وشبكات الإنترنت، سرعان ما أحدث كل ذلك انقلاباً قي الرأي العام العالمي، بل يمكن القول إنه أحدث ثورة عالمية دفعت ملايين الناس إلى الخروج للشوارع في مختلف المدن والعواصم العالمية للمطالبة بوقف الحرب.

وفي ظل التغول الإسرائيلي بتدمير كل من يقف في طريق حربها العسكرية، بما في ذلك الأمم المتحدة التي تم شلها عملياً واستهداف مؤسساتها العاملة في قطاع غزة، والإمعان في انتهاك القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية، فقد أدى ذلك إلى مفاعيل عكسية وأحدث تحولاً دولياً لصالح الفلسطينيين وعاملاً ضاغضاً على صانع القرار الغربي لوقف الحرب والبحث عن حلول سياسية لإنهاء الصراع في المنطقة.

ولكن إذا كانت الصورة أبلغ من أي كلام، وهي تتحدث عن نفسها، وتوثق بالتأكيد كل تفاصيل الدمار والخراب والمجازر المروعة بحق الأطفال والنساء والمدنيين عموماً، فإنها لم تقابل إسرائيلياً إلا بالمزيد من محاولات تحطيم هذه الصورة وتشويهها، عبر استهداف الصحفيين، والإمعان في التعمية واللجوء إلى أساليب مكشوفة ومفضوحة، لم تؤد حتى الآن سوى إلى دحض الرواية الإسرائيلية، وقد تكون مؤشراً على خسارتها المعركة الإعلامية وربما العسكرية معاً في آن واحد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzypyyc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"