عادي
متعدد الهويات وجوازات السفر والبطاقات المصرفية

«القاتل».. عمل استثنائي ونهاية غير متوقعة

22:53 مساء
قراءة 5 دقائق
«القاتل».. عمل استثنائي ونهاية غير متوقعة

مارلين سلوم
يكشف هذا الفيلم هويته من عنوانه المختصر والمباشر: «القاتل»، فيذهب المشاهد بتفكيره نحو تكهنات لمضمون القصة، وأنها محصورة بهذه الشخصية الرئيسية، والتي سنعيش معها تفاصيل حياتها والمهام الموكلة إليها، وأن الكاتب والمخرج سيلعبان على تغذية الحس الإنساني لدى الجمهور فيقدمان الوجه الآخر لهذا القاتل طالما أنه «بطل» الفيلم، فيجدان له المبررات والدوافع الكافية كي يتعاطف معه الجمهور ويبدأ بشكل تلقائي الدفاع عنه والتعلق به ضمنياً، كما يحصل في غالبية إن لم يكن كل الأفلام المماثلة؛ لكن «القاتل» فيلم استثنائي، لأن مخرجه استثنائي، يمشي عكس التوقعات لتجد أمامك بطلاً محترف قتل، ومفاجآت تستمر حتى النهاية غير المتوقعة.

القناص يتأمل الناس والشارع

دايفيد فينشر مخرج تتوقع منه أن يحلّق بعيداً عن الإطار المألوف، فمخرج «زودياك» و«جون جيرل» و«بانيك روم».. متمرس في تقديم أجواء الجريمة والرعب والقلق، وقد وجد في قصة «القاتل» أو «ذا كيلر» المأخوذة عن رواية بنفس الاسم للكاتبين لوك جاكامون وأليكسيس نولانت، ما يسمح له بتقديم عمل استثنائي، يمكن اختصاره بأنه يتناول قصة قاتل مأجور، يحكي عن نفسه ونعيش معه تفاصيل آخر مهمة تم تكليفه بها، والتي يخطئ فيها إصابة الهدف ولأول مرة في تاريخ مشواره الإجرامي، على الرغم من شدة تركيزه وإتقانه لعمله وحرصه على الالتزام بالقواعد التي وضعها لنفسه والتي لا يثنيه عنها أي شيء أو أي أحد.. لكن مضمون هذه القصة وإن بدا روتينياً يمشي وفق إيقاع بطيء وعلى خط واحد منذ بداية الفيلم وحتى نهايته، إلا أنه مفعم بالتشويق وبالمفاجآت، فيجعلك تنتظر الختام لتعرف مصير القاتل ومن يتعامل معهم، فيفاجئك فينشر بخاتمة غير مألوفة في أفلام الجريمة.

ظهور خاص وأداء مميز لتيلدا سوينتون
  • قصة «القاتل»

المعروف عن فينشر أنه ماهر في انتقاد ظلمة النفس البشرية، وربما لذلك وجد في قصة «القاتل» ما يساعده على التركيز أكثر على حوار الإنسان مع ذاته، كيف يفكر المرء وكيف يرى الناس ويحلل شخصياتهم وتصرفاتهم.. القاتل ويجسده بامتياز النجم مايكل فاسبندر، هو البطل الرئيسي والشخصية الوحيدة التي تتمركز حولها الأحداث ولا تغيب عن الكاميرا أبداً، نلحقها منذ اللقطة الأولى في كل تحركاتها، حيث نرى رجلاً ينتظر في غرفة فارغة كأنها مهجورة، سكون تام، يروي بنفسه وبصوت خافت ليوحي لنا المخرج بأن الرجل يتحدث مع نفسه، أو كأننا دخلنا عقله ونسمع أفكاره وما يجول في خاطره، ويكتب فينشر على الشاشة المراحل التي ينتقل من خلالها البطل من مكان (أو بلد) إلى آخر في تسلسل مترابط للأحداث؛ والمرحلة الأولى أو كما يسميها «الجزء الأول: الهدف باريس».

«القاتل».. عمل استثنائي ونهاية غير متوقعة

ويقول القاتل الذي لا نعرف له اسماً، فهو متعدد الهويات وجوازات السفر والبطاقات المصرفية، وفي كل مرحلة يناديه موظف البنك أو المطار باسم وفق الهوية التي يبرزها.. يقول: «تستيقظ باريس ببطء بخلاف كل مدن العالم»، نفهم أنه في باريس ينتظر ساعة الصفر كي ينفذ مهمة جديدة مطلوبة منه، يوجه كلامه إلى المشاهد بصيغة المخاطب، بجمل قصيرة وعبارات متقطعة وهدوء شديد إلى حد البرودة، يعرف عن نفسه وطبيعة عمله وما تعلمه من الحياة ومن خبرته في مهنة القنص والقتل وكأنه يقول حكماً ليستفيد منها الناس، وإذا تمعنت في الكلمات ومعانيها والمقصود من ورائها، تدرك أن فينشر يحرص فعلاً على المضمون الفلسفي ويغوص في النفس البشرية ليخرج ما فيها أياً كان لونه أسود أم أبيض؛ فيقول مثلاً القاتل: أنا من أنا. أنا منعزل. اعتبر نفسك محظوظاً إذا لم تصافحني. لا الحظ يعد حقيقياً ولا العدالة. يولد المرء ويعيش حياته وفي النهاية يموت، وهذه العبارة تهديد يرمز فيها إلى أن الموت حتمي ولا يهم متى وكيف وأين، فيبرر لنفسه مهنته وما يفعله طالما أن الموت حق ونهاية لكل إنسان.

الحوارات أقل بكثير من الحوار الذاتي للبطل، خطاب يأخذ اتجاهاً واحداً من البطل إلى الجمهور مباشرة، يتخلل العبارات التي يسردها الرجل بعض الأرقام التي تحمل دلالات تصب في نفس الإطار، مثل قوله «يولد كل عام نحو 140 مليون نسمة، ويموت كل ثانية 10،8 شخص».. «منذ بدء التاريخ القلة تستغل الكثرة.. المرء يَقتل أو يُقتل.. الدنيا غابة القوي يأكل فيها الضعيف..». رجل لين الجسم، يمارس الرياضة، لا يعرف النوم؛ بل يضبط ساعته لتوقظه كل بضع دقائق، اعتاد القلق، والأغرب قوله «من بين أكاذيب المنظومة الصناعية العسكرية الأمريكية أن الحرمان من النوم ليس تعذيباً»، رمزية واضحة إلى مضمون سياسي وطبيعة ما كان عليه هذا الرجل وما مر به قبل أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم.

يسرد قائمة المبادئ التي تعد قانوناً يمشي عليه، من ضمنها «إياك والتعاطف، التعاطف ضعف.. لا ترتجل.. لا تثق بأحد.. لا تقاتل إلا في المعارك». يسمع الموسيقى لأنها في نظره أداة تركيز تمنعه من سماع صوته الداخلي أثناء أدائه مهمته. يصل الرجل المطلوب منه قتله إلى المبنى المقابل، يجهز عدته، يراقب بمنظاره قبل أن يطلق رصاصته فتصيب فتاة ليل كانت مع الرجل؛ لأول مرة يخطئ الهدف، يخرج مسرعاً، بارع في إخفاء كل الأدلة التي قد تكون خيطاً للوصول إليه. يملك 6 مخازن في ولايات مختلفة، يخفي في كل منها مجموعة لوحات لأرقام سيارات مختلفة، أسلحة، جوازات سفر، سيارات.. وكأنه عصابة كاملة.

ننتقل إلى الفصل الثاني: الدومنيكان، نكتشف أنه يقيم هناك مع حبيبته ماجدلا (صوفي شارلوت)، ويكتشف هو أن رجلاً وامرأة داهما منزله واعتديا عليها بالضرب؛ يكسر إحدى قواعده بأن لا يجعل الأمر شخصياً، فيقرر الانتقام منهما ومن الرجل الذي كلفه بالمهمة.

  • قسوة مخفية
  • «القاتل».. عمل استثنائي ونهاية غير متوقعة

ترتفع وتيرة العمل فننتقل إلى ما يشبه المطاردات، الرجل البارد الهادئ الصارم المعدوم المشاعر، يصبح غاضباً يتحكم بردود أفعاله في الظاهر، محتفظاً طوال الوقت بقسوة مخيفة، وانعدام الشفقة والإنسانية.. ولعل أكثر المشاهد تأثيراً في الجمهور، هو مشهد توسل دولورس (كيري أومالي) سكرتيرة المحامي (تشارلز بارنيل) كي لا يقتلها بطلق ناري كي لا يحرم أبناءها من فلوس التأمين، فنحسب أنه سيتعاطف معها ويتركها خصوصاً أنها سلمته لغز القضية وأسماء من يبحث عنهم، لكنه يفاجئنا بتمسكه «بمبادئه» القائلة إن التعاطف ضعف والضعف ثغرة.

ستة فصول ننتقل فيها مع القاتل في ولايات مختلفة ونرى وجوهاً عدة منها النجمة تيلدا سوينتون الملقبة بالخبيرة، مرورها سريع لكنه مؤثر، أما البطل فاسبندر فيجسد حرفياً شخصية القاتل الأشبه بالروبوت، بلا مشاعر، بلا قلب، مظهر أنيق، محدد الأهداف لا شيء يغير مخططه.

  • عدم التعاطف

المخرج قدم شخصية القاتل بتفاصيل وملامح يكرهها المشاهد ليبقى على موقفه حتى النهاية، ومثلما يطبق مبادئه بعدم التعاطف مع أي إنسان، هكذا تجد نفسك أنت أيضاً غير متعاطف مع القاتل وحبيبته، وهنا تستغرب النهاية التي لن نذكر تفاصيلها كي لا نحرقها على من لم يشاهد الفيلم بعد، لكنها نهاية توحي بأن المحترف بقي بعيداً عن عيون العدالة، حيث لم نر شرطة ولا مطاردات ولا محكمة ولا اتهامات، ينفذ جرائمه ويكمل طريقه وكأنه صعب المراس.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xypbz5d

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"