عادي

الإحسان إلى البيئة.. مطلب شرعي

22:43 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

ما قدمه الإسلام لحماية البيئة من التلوث والارتقاء بها يفوق كثيراً ما قدمته الحضارات الحديثة من توجيهات وتوصيات، حقيقة تؤكدها تعاليم الشريعة التي تعتبر أن حماية البيئة من التلوث «أضعف الإيمان»، وأن واجب المسلم في كل مكان وكل عصر الارتقاء بالبيئة و«الإحسان إليها».. فكيف يكون هذا الإحسان؟

يؤكد د. محمد الضويني، وكيل مشيخة الأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء أن ما قدمته الشريعة الإسلامية للارتقاء بالبيئة والإحسان إليها، بمعنى اتخاذ كل الإجراءات التي تحسن منها وترتقي بواقعها، من الواجبات الدينية، لأن عكس ذلك هو إفساد في الأرض، والله لا يحب الفساد، ويعاقب مرتكبيه بما يتناسب مع جرمهم وما صنعته أياديهم، ولذلك يقول الحق سبحانه: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ».

ويضيف: «التغيرات المناخية التي يعانيها العالم اليوم نتيجة طبيعية لسلوكيات بشرية خاطئة لم تحترم البيئة ولا مكوناتها؛ وظاهرة غير سوية أسهمت دول العالم المتقدم صناعياً في تفاقمها، وهو في واقع الأمر إفساد في الأرض تدفع البشرية كلها ثمنه، وهنا ينبغي اتخاذ ما يلزم لكف يد الإنسان عنه، والكلام يوجه أولاً للدول التي لا تزال تفسد في الأرض من خلال سياسات صناعية خاطئة لا تقيم للبيئة وزناً، وتسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب حياة البشر وسلامتهم وصحتهم، وهو أمر مرفوض ومدان من جانب كل الشرائع السماوية وليس الإسلام فقط».

ويشدد د.الضويني على ضرورة استخدام كل أساليب العلم الحديث للارتقاء بالبيئة، ويقول: «أعطانا الله سبحانه وتعالى أسباب العلم والتقدم لتكون سبباً في النهوض بالبيئة، ومساعدة الإنسان على العيش في بيئة صحية خالية من الأمراض والملوثات، والاستفادة المثلى من خيرات الأرض الظاهرة والباطنة، وعدم إلحاق الضرر بالأرض التي وهبنا الله إياها نظيفة نقية صالحة للحياة، والابتعاد عن كل الممارسات الخاطئة التي تضر بها وتؤثر بطبيعة الحال في حياة البشر. ومن هنا أصبح واجباً على جميع المنظمات الدولية، والمؤسسات البيئية، ودول العالم ضرورة العمل بكل جد على تقليل الانبعاثات الكربونية وغيرها من الملوثات البيئية، عبر دعم مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة، والسعي للحفاظ على كوكبنا سليماً نقياً خالياً من التلوث والأمراض».​

ويقول د. نزيه عبد المقصود أستاذ الاقتصاد والعميد الأزهري الأسبق: «لا شك في أن للتلوث البيئي مخاطر اقتصادية جسيمة، وهو يلحق بالعالم خسائر تقدر بمئات المليارات سنوياً، ومواجهة هذه الخسائر من الأمور الواجبة شرعاً حماية لنعم الله من الضياع، وتعظيماً لتلك النعم التي أمرنا بالحفاظ عليها والاستفادة منها لصالح الإنسان والمجتمع».

ويضيف: «لقد تبارى الاقتصاديون في العالم في رصد المخاطر الاقتصادية للتلوث البيئي، كما رصدت مؤسسات اقتصادية دولية تلك المخاطر، وقد حان الوقت للاستماع بجدية لتحذيرات الاقتصاديين، والعمل معاً لتفادي هذه المخاطر، والتخلي عن «الأنانية الاقتصادية» التي تسيطر على سلوكيات معظم الدول الصناعية الكبرى التي تسببت في هذا التلوث، ولا تشغلها إلا مصالحها الاقتصادية».

ويؤكد د. نزيه أن العالم المعاصر يعاني الكثير من المشكلات التي تزايدت وتفاقمت نتيجة التطورات الهائلة والسريعة في مختلف مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وقد أدت هذه التطورات والتغيرات إلى خلق مشكلات عديدة منها مشكلة الارتفاع العالمي لدرجات الحرارة، وأزمة الطاقة والمياه، وغيرها من المشكلات التي أصبحت البشرية تعانيها، وأغلب هذه المشكلات ناتجة عن الإجهاد البيئي، والتلوث، واستنزاف الموارد الطبيعية والبيئية بإسراف، وبدون توعية وترشيد في كيفية الاستغلال الأمثل لهذه الموارد المحدودة.

ويوضح د. نزيه أن التلوث مرتبط بشكل كبير بالنشاطات البشرية والتنموية، وأن أهم ما يواجه سكان الكرة الأرضية في الوقت الحاضر هو مشكلة نفاد الموارد الطبيعية ومشكلة التلوث، وأنهما يؤثران بشكل مباشر في حياة الإنسان وديمومته، ولذلك يجب على الدول التي تدعي التحضر والرقي أن تعدل من سياساتها وبرامجها التنموية، فالتلوث مشكلة خطيرة ولها أثرها البالغ تنموياً واقتصادياً وصحياً وحضارياً.. وقد اتضح أن للتلوث البيئي أو التغير المناخي تأثيراً كبيراً، وواضحاً على اقتصاديات الدول النامية، فهي تعاني أصلاً ندرة الموارد الطبيعية، ويعاني معظم سكانها مشكلات صحية تؤثر في قلة الإنتاجية، كما أنها تعاني ارتفاع نسبة البطالة، ولو أضفنا لهذه الأعباء ما يخلفه التلوث البيئي من مخاطر على الموارد الطبيعية وتصحر وفيضانات وحرائق وأمراض فستكون الأعباء الاقتصادية عليها مضاعفة، ما سيؤدي إلى مشكلات عالمية عديدة، حيث ستكثر الهجرة غير الشرعية وسترتفع وتيرة العنف علمياً، فالإنسان الجائع والمهدد في حياته لن يبقي على شيء.

التغير المناخي.. والأمن الغذائي

يؤكد د. أبوزيد الحبال، الأستاذ بكلية الزراعة بجامعة الإسكندرية أن المخاطر الاقتصادية للتغير المناخي كثيرة ومتنوعة، وسيكون للتلوث البيئي مخاطر مضاعفة على القطاع الزراعي في العالم العربي. ويقول: «تأثير التغير المناخي على القطاع الزراعي يطول الحديث عنه، لكن يكفي أن نشير إلى مشكلة التصحر التي ستتضاعف، نتيجة ارتفاع حرارة الأرض، وندرة المياه الجوفية ومياه الأمطار والأنهار، ومشكلة الفيضانات في بعض المناطق، وما تسببه من تدمير للمساحات الزراعية، وأيضاً الحشرات والفطريات التي ستتكاثر نتيجة التصحر، وارتفاع مستوى مياه البحار، وما ينتج عنه من زيادة ملوحة التربة الصالحة للزراعة، وغير ذلك من المخاطر، كل هذه التداعيات تفرض على العلماء في كل المجالات أن يبذلوا جهودهم لمواجهة التغير المناخي لتقليل تداعياته، فالعالم في مركب واحد مهدد بالغرق في بحر التغير المناخي وعلى الجميع أن يكون له دور في الإنقاذ».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/27m5rjcd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"