حمّى الزكام وحمم الركام

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

قلت للقلم: هل تستطيع أن تصوّر لي وضع العالم العربي بلغة ملموسة بعيدة من العبارات الكيسنجريّة، التي يحتاج المرء إلى قرن ليدرك المياه التي تحت تبنها؟ قال: العالم العربي أوضاعه مثل وضعك أنت في الأيام الماضية: أنفلونزا أدّت إلى ارتفاع شديد في الحرارة، ففقدتَ التوازن. البقية ليست من اختصاصي، فلا أنا طبيب نطاسي، ولا ممّن يفكّون الخط في الشأن السياسي.
قلت: هذه هي المسألة، أن تكون الخريطة العربية أو لا تكون. لقد أصبحت المشكلات وأمست غير قابلة للتفكيك. يقيناً، ليس العرب هم الذين أرادوا أن يخربوا بيوتهم بأيديهم، والمحظوظ من ظلّ فوق الأنقاض لا تحتها، لهذا تصرخ القضية منذ سنة سبع وأربعين (يا للمصادفة غير السارّة: عدت يا عام مولدي)، بمأساوية فيلم فاتن حمامة ورشدي أباظة: «أريد حلاّ». تخيّل كرة ثلج تتدحرج طوال ستة وسبعين عاماً، والغرب القوي، الذي يسلّط سيف داموكليس على منظمة الأمم غير المتحدة ومجلس الأمن، لا يسمع صوت التراجيديا العالمية، لأنه لا يرى غير الأحلام الوردية التي ترسمها شهيّته النهمة على هيئة موائد من المكاسب والغنائم.
قال: ألا ترى أن الذين وضعوا القصص والسيناريوهات للقرن الماضي، وأطلقوا إشارة بداية الإخراج منذ أوائل القرن العشرين، كانوا أشدّ غروراً من فوكوياما، النشوان بنظرية: «نهاية التاريخ»؟ على الشاعر الطغرائي أن يردّ عليه: «فهل سمعتَ بظلّ غير مُنتقلِ»؟ من أين له تلك النوستراداموسية، التي جعلته يتوهم أن الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية انتصرت على كل ما سواها، وأنها ستتسيّد الكوكب آلاف السنين بل مئات الألوف؟ حتى لو حسبناها بالملايين، فإن ذلك لا يعني نهاية التاريخ، التي تعني انقراض البشرية. كيف انتهى التاريخ والعالم يحذّر من حرب عالمية ثالثة؟ 
قلت: المشهد رهيب معيب. تخيل أن تظل التنمية في جلّ بلاد العرب معطّلة آلاف السنين؟ آنذاك لا يستطيع حتى الحاسوب قراءة الرقم الذي سيصل إليه عدد قرارات الأمم المتحدة. قد يتقلّد الأمانة العامة الحفيد المئة للسيد غوتيريش، ويتنكّر لحماسة جدّه الأعلى، قائلاً: عن أيّ قضية تتحدثون يا قوم؟ لقد طويت صفحتها على أيدي جمهورية كانت تسمى: «الأمرُ كان»، ومملكة كانوا يسمّونها: «انجلِ تَرَ»، ولم يعد يذكرهما غير النسيان.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستشرافية: نهاية التاريخ انتهت لعبتها، فلننتظر كيف يكون تاريخ النهاية؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdkcpnkd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"