ألغاز أوزان اللغة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين
هل أساليب تدريس العربية في المناهج العربيّة، هي الطريقة المثلى لتعليمها؟ عدم الشك في ذلك مأساة مُنيت بها الأجيال قروناً. على أيّ حال، على أطفال اليوم أن يحمدوا الله على أنهم نجوا بأعجوبة من حلقات الدرس التي كان على الطالب أن يحفظ فيها «ألفيّة ابن مالك»، مع ثقل دمها وسوء نظمها، ومع ذلك كان النحاة يردّدون: «النحو صنعتنا واللحن عادتنا». مساكين، كان من يحفظ «قطر الندى» أو«مغني اللبيب»، يمشي في الأرض مرحاً.
معذرة، إن بدت لك المقدمة وكأنها «فشّة خلق»، جرّاء إصرار المناهج العربية على أن تغيّر مسار الأساليب، إلى تدريس قائم على الإحساس بجمال اللغة. القلم لا يدعو إلى التخلي عن قواعد العربية، والمهم هو: كيف ندرّسها؟ إن التغيير ضروري الآن أكثر من أيّ وقت مضى، لأن لغتنا في خطر، ونحن نرى بأعيننا أن الهوية نفسها على شفا الهاوية. عندما ينهدم ما في الوجدان، فما أيسر أن تهدم كل بنيان.
اللغة موسيقى، ومنها القواعد، فكيف يُعقل أن يورِث تدريسُ الموسيقى المللَ والكلل؟ هل اللغة تفكر؟ العجيب أن تجيب بالنفي؟ السؤال: كيف رسمت العربيّة خطة مستقبليّة لنموّها الكامل قبل اكتمالها؟ هي إذاً كانت تعرف كيف ستكون، تماماً مثل البذرة التي كانت تعرف أنها ستصير شجرة، وكيف ستكون ثمارها. أيّ مؤلف موسيقي جرى في نسغها، وسرى في نسجها، حين شرعت في إبداع أوزانها؟ بمنتهى الطرافة أدركت وجود علاقة بين المهن والآلات، فاختارت فِعالة، بكسر الفاء لاسم الصناعة: حِراثة، زراعة، تجارة، إلى صحافة، وللآلة خزانة، قلادة، لكن الأشهر منشار، مفتاح. لغتنا ذوّاقة، فقد تفنّنت في أوزان اسم الآلة، وسار على النهج اللغويون المعاصرون، في المستجدّ من الآلات التي لم يعرفها القدامى، وتفنّنوا في حاسوب وصاروخ، فوزن فاعول نادر جدّاً في العربية، ووافر جدّاً في العبرية والآرامية، الفاروق مثلاً: المخلّص في الآرامية (باروقا بباء باريس، الألف الأخيرة بمثابة أل التعريف)، القاموس البحر في الآراميّة. اسم الآلة متحف، منه كنانة، قلم، سيف. بحركة بسيطة ضمّت فاء فعال فانهالت الأمراض: زكام، سعال، صداع، سُداد (إنفركتوس)، كزاز. لغتنا أحياناً غير منصفة، خصّت المبالغة بعشر صيغ تقريبا: فتّاك، مقدام، شكور، عليم، شرّير. وأكثر منها الصفة المشبّهة: أزرق، شجاع، جبان، طويل، لاذع. ابتكار موسيقي بلا حدود: فعيل بمعنى فاعل وبمعنى مفعول. نظرة اقتصاديّة أم لعب على الحبلين؟
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغزية: في بداية نشأة اللغة، لم يكن ثمّة تدوين، فظل سرّها في صدرها.على اللغويين أن يحلّوا هذه الألغاز.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4c7nhfej

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"