الحياة بطعم السكَّر..

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

تنتج الشعوب مجازاتها وكناياتها اللغوية أو المنطوقة تلقائياً، وبخاصة على لسان الإنسان الشعبي البسيط، حين تشعر هذه الشعوب بشيء من الامتلاء الإنساني والطمأنينة. والمثال، أمس الأول، حين قال ل«رويترز» رجل من قطاع غزة: إن مياه محطات التحلية الإماراتية «سكر»، والكناية هنا جميلة وتلقائية، أي أن الماء عذب، وبوسع الفسطيني في غزة أن يشرب ماء نظيفاً وهو في قلب حرب مجنونة أكثر ضحاياها من أطفال القطاع.
أنشأت دولة الإمارات ثلاث محطات تحلية للمياه في رفح المصرية، بدأت العمل الثلاثاء الماضي، وتتدفق إلى غزة بعد تصفيتها ومعالجتها الصحية بعد عملية التحلية، والماء في زمن الحروب أهم من الطعام، بل هو علامة الحياة التي تعطي الإنسان شيئاً من الأمل، وليس الماء وحده سكر الإمارات في غزة، فالدولة بسموّها الأخلاقي والإنساني هي في طليعة دول الغوث الطبي والعلاجي والإيوائي، والأثر الطيب للإمارات في غزة قائم منذ سنوات طويلة على مستوى التعليم والسكن والعناية الصحية.
أمام هذه الثقافة الإماراتية الإنسانية يتوقف المرء عند المحكي الشعبي أو اللغة الشعبية التي ينطق بها الغزاوي البسيط في حياته وفي يومياته الصبورة والشجاعة في قطاع يقوم على البحر الأبيض المتوسط، ولكن ماء البحر مالح، كما هي مالحة دموع الأطفال الذين تركوا مدارسهم وحيواتهم الصغيرة تحت نيران الطائرات من «الزنّانة» إلى «الفانتوم».
الإمارات التي تصفّي الماء، وتنزع منه الملح من أجل الحياة تعطي مثالاً إنسانياً جوهره ثقافة الحياة أيضاً؛ الثقافة القائمة على حضور الدولة في العالم كله بلغتها السيادية، لغة التسامح، المحبة، التعايش، الصداقة، الخير، التفاؤل، وغيرها من مفردات الأبجدية الإماراتية في قاموسها الوطني والعالمي.
قد تكون عبارة ذلك الفلسطيني الغزاوي تلقائية تماماً، وشعبية تماماً، غير أن الكناية جميلة والمجاز أجمل، والماء السكري، مرة ثانية هو روح الحياة التي يجب أن تنتصر في نهاية كل صراع مهما كان رهيباً.
«على هذه الأرض ما يستحق الحياة» يقول محمود درويش، وعليها أيضاً من يمسحون دموع الظلم والقهر، وعلى الأرض من يمدون أيديهم للإنسان في أقصى درجات شقائه وعذابه الوجودي والشخصي، وفي الأرض محبة على الرغم من فكر الكراهية والتعصب والعنف.
محطات التحلية التي ترسل الماء العذب لغزة ليست مجرد منشآت خدمية حيوية فحسب، بل، هي أيضاً ترجمة واقعية لثقافة دولة تحميها أخلاقياتها من نسيان البشر الذين يقعون على الحافة بين الموت والحياة، إذ يتحول الماء إلى رمزية عميقة المعنى الإنساني الرائع في اللحظة التي تنتصر فيها الحياة على الموت. انتصار بطعم السُّكر.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/44wtwcwy

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"