لا آخذ ما تتوصّل إليه بعض المواقع الإلكترونية بشأن الكتب الأكثر مبيعاً على أنها نتائج أو إحصائيات قطعية، وذلك لسبب بسيط هو أن هذه المواقع لا تجري مسحاً ميدانياً استقصائياً في كل أسواق النشر والتوزيع في العالم، وهي بالطبع مهمّة صعبة إن لم تكن مستحيلة، وتحتاج إلى فرق عمل كبيرة وأموال وتقنيات تكنولوجية مكلفة.
ولكل موقع إلكتروني كتبه الأكثر مبيعاً المختلفة كلياً عن كتب أكثر مبيعاً في موقع إلكتروني آخر، لا بل هناك من يحدّد «الأكثر مبيعاً» في جنس أدبي أو ثقافي في حدّ ذاته، كأن يحدد هذه القياسات في الرواية الأكثر مبيعاً، أو كتب مساعدة الذات الأكثر مبيعاً، أو الشعر الأكثر مبيعاً، وهكذا يتحرك مؤشر «الأكثر مبيعاً» في أكثر من اتجاه أو أكثر من صعود بياني يحدّده الموقع نفسه الذي يتولى هذه القياسات.
«ظاهرة» الأكثر مبيعاً نجم عنها حالات قياس أخرى كأن تقول: الكتب الأكثر قراءة، وهذه تختلف عن الأكثر مبيعاً، فالكتاب الذي يحقق مؤشرات بيع أكثر لا يعني بالضرورة أنه كتاب مقروء على نطاق واسع، ذلك أن حركة البيع الأكثر قد تعود إلى مؤسسات أو جهات أو دوائر حكومية أو رسمية أو خاصّة تشتري كميات كبيرة من الكتب، لكن هذه الكتب في حقيقتها لم تقرأ بعد. يمكن أن نتحدث أيضاً عن الكتب الأكثر حصولاً على الجوائز، وهل هذه الكتب الفائزة بالجوائز هي حقاً الأكثر مبيعاً أو الأكثر قراءة، مع أن هناك من يقول إن الكتب تصبح أكثر مبيعاً وأكثر قراءة بعد أن تحصل على الجوائز، وليس قبل الجائزة، ولك أن تعود هنا إلى الروائيين أو الشعراء الذين يحصلون على «نوبل»، فبعضهم، وربما الكثير من هؤلاء، لم يكونوا مقروئين على نحو واسع قبل حصولهم على «نوبل»، وكتبهم أيضاً قبل «نوبل» ليست الأكثر مبيعاً، بل الشهرة والعالمية والجائزة تفعل فعلها الإعلامي والترويجي والتوزيعي على مستوى العالم كلّه، فما إن يفوز شاعر أو روائي بالجائزة الأقدم والأكبر في العالم، حتى تتسابق دور النشر ودور التوزيع إلى تكريسه نجماً أدبياً أكثر مبيعاً، وبخاصة حين يدخل المترجمون على الخط لتنفتح أسواق الكتاب في جهات العالم على مبيعات فورية تصل إلى ملايين الدولارات.
يمكن الحديث أيضاً عن الكتب الأكثر توزيعاً، أي التوزيع بأكثر من شكل ترويجي، التوزيع المجاني وغير المجاني، أو التوزيع بأسعار رمزية على المؤسسات والدوائر والجهات الحكومية وغير الحكومية، وسنرى هنا أن مؤشر الكتب الأكثر توزيعاً يختلف عن مؤشر الكتب الأكثر مبيعاً، ففي المؤشر الأول تأتي ربحية الكتاب رمزية، بينما في المؤشر الثاني لا بد أن تكون ربحية الكتاب كبيرة وإيجابية.
أصبحت أسواق النشر في العالم ذات مهنية تخصصية لا بدّ منها، وتتوازى مع أسواق النشر أسواق التوزيع، ولا تنس الشحن، والتخزين، ومتابعات المشاركات في معارض الكتب، والحصول على أجنحة تكفل الربح للناشر الذي لا يكف عن الشكوى من غلاء أسعار الورق والطباعة وإلى ما لا نهاية من مفردات هذا القطاع الثقافي النبيل. صناعة النشر أقرب المهن إلى أرواح الكتاب، لكنها تحتاج إلى خبرات، وأكثر من ذلك.. المغامرة.
