عادي

النقش على المعادن تراث لا يحظى بتقدير في المغرب الكبير

18:26 مساء
قراءة 3 دقائق
النقش على المعدن (أ.ف.ب)

يحافظ حرفيون على فن النقش اليدوي على المعادن بمهارات موروثة عن الأجداد أدرجتها منظمة اليونسكو أخيراً ضمن قائمة «التراث غير المادي»، في ملف حظي بدعم عشر دول عربية من بينها تونس والجزائر والمغرب، لكنها لا تحظى «بتقدير كبير» في منطقة المغرب العربي، حيث يكافح بعضهم للإبقاء عليها.

يعتمد هذا الفن الحرفي على نحت زخارف بأشكال مختلفة بينها الهندسية والنباتية والفلكية، على معادن النحاس أو الفضة أو الذهب لصناعة أدوات منزلية أو ديكورات أو حلي.

وأشاد التونسي عماد سولة، أحد الخبراء الثلاثة الذين قدموا الملف، بهذا الإدراج، معتبراً أنه «يلزمنا بالحفاظ على هذه المهارة الاستثنائية».

تعلم الخبير التونسي محمد أمين حطويش (37 عاماً) أصول النقش على النحاس في سن 15 عاماً، قبل أن ينتقل إلى الفضة ثم الذهب، في ورشة عائلية بالمدينة القديمة لتونس العاصمة.

وللتكيف مع المتطلبات الجديدة تعلم النقش باستعمال آلات. ويقول «أخاف على (هذه الحرفة) أن تنقرض. أخشى أن نصل إلى يوم لا نجد فيه أي نقّاش».

أما شهاب الدين بن جاب الله (68 عاماً) فغالباً ما يخصّص وقتاً لتلقين فنه للنساء اللواتي يرغبن في صناعة حلي أو أسرة الأطفال مزينة بزخارف من نحاس، داخل ورشته بدندن غرب العاصمة، لكنه يرى أن مدة التدريب التي يتلقاها الحرفيون غير كافية، حيث تقلصت أحياناً إلى ثلاثة أشهر فقط. وهو درّب مئات الحرفيين خلال 50 عاماً، ويترأس الغرفة الوطنية للحرف التقليدية.

ويتابع: «يلزم عامان على الأقل لاكتساب كل تقنيات النقش»، معرباً عن أسفه لأن مهنته «الغنية جداً» لا تحظى بالتقدير.

ويعود تاريخ النقش على المعادن في تونس إلى القرطاجيين، قبل أن يغتني بتأثيرات الحضارة الإسلامية والثرات الأمازيغي وتقاليد حضارات المتوسط، فضلاً عن تأثيرات مشرقية، ولا يزال في البلاد 439 حرفياً متخصصاً في نقش المعادن، وفق مكتب الحرف الوطني.

في المغرب، تحظى الصناعة التقليدية عموماً باهتمام السلطات، وتشكل جزءاً من العرض السياحي للبلاد، يعمل معظم الحرفيين في هذا المجال اليوم في ورش حديثة مثل تلك التي افتُتحت قبل عشرة أعوام في فاس (شمال وسط).

وقبل أن ينتقل إلى إحدى تلك الورش، تعلم إدريس الساخي (64 عاماً) النقش على النحاس منذ صباه وراء أسوار المدينة العتيقة، وصار بإمكان الشباب تعلمها في مراكز التدريب المهني التي تقدم دروساً نظرية، وأخرى عملية يشرف عليها حرفيون.

ويقول الساخي، الذي أمضى 50 عاماً في هذه الحرفة: «شباب اليوم محظوظون.. لا خوف على الخلف، لكنني ألح على شيء واحد، يجب أن يحبوا الحرفة إذا أرادوا النجاح».

تستعيد النقوش المستعملة في المغرب غالباً أشكالاً «موروثة منذ قرون، وهي مشتركة مع حرف النقش على الزليج والخشب والجبص»، كما يوضح أحمد الكداري (57 عاماً) الذي بدأ شغفه بهذه الصنعة منذ سنوات الشباب.

لكنّ الحرفيين المخضرمين الذين يحملون صفة «معلم» بإمكانهم إبداع نقوش جديدة «من وحي اللحظة» أو نزولاً عند طلب الزبون، كما يضيف الساخي. وبعضها يحمل توقيع «المعلم» الذي أنتجها علامة على طرازها الرفيع.

على الرغم من التدريب المتاح للشباب الراغبين في تعلم هذه الحرفة، يرى الصانع محمد المومني أن «المشكلة تكمن في ندرة الأشخاص الذين يعرفون كيفية العمل»، مع أنّ هناك «طلباً كبيراً على المصنوعات النحاسية»، بحسب الرجل المقيم في مدينة سلا التاريخية، قرب الرباط.

أما في ليبيا، فيشكو الحرفيون من قلة التشجيع، ويقول يوسف شوشين إن «تطور هذه الحرفة محدود للغاية، الطلب فقط هو الذي يشجع الحرفيين»، وليس السلطات.

ويؤكد الرجل الستيني أن «أغلبية الحرفيين تركوا المهنة» التي لم تعد مربحة.

ويعرب عن حزنه على وضع هذا التقليد قائلاً: «لماذا أعلم أطفالي الحرفة.. من دون أن يستطيعوا العمل»، رغم أنه حاول تعليم اثنين أو ثلاثة متدربين شباب.

في الجزائر، ما يزال الطلب مرتفعاً على الأدوات المعدنية المنقوشة، رغم غياب المبادرات الرسمية بهذا الشأن.

تشكل الحلي الذهبية أو الفضية المنحوتة جزءاً من زينة العرائس.

ولكلّ منطقة تخصصها الذي تشتهر به، فتلمسان معروفة بالحلي الذهبية، أما القبائل والأوراس فتعرف بصناعة الخواتم والأساور الفضية المزينة أحياناً بالمرجان.

وقد وقع صانع المجوهرات العصرية وليد سلامي (37 عاماً) في حبّ تلك النقوش الثراتية و«تعلم بمفرده لعامين على الإنترنت»، بعدما لم يجد من يدرّبه.

ويقول «إنها مهنة رائعة، لا نحتاج الى جذب الزبائن ليشتروا، يكفي أن يروا الحلي».

لكنه يعتقد أن اعتراف اليونسكو بهذا الفن «لن يغير كثيراً» في الوضع، مؤكداً أنه سيكون «فخوراً» أكثر عندما تحظى هذه المهارات «بالاعتراف» في منطقته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/dvrt977h

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"