أمريكا.. ثاني أكبر اقتصاد عالمي!

21:53 مساء
قراءة 3 دقائق

هارلان أولمان*
لقد كان دوايت أيزنهاور على حق عندما حذر من «المجمع الصناعي الدفاعي»، فالرئيس ال34 للولايات المتحدة خشي أن يؤدي تخصيص الكثير من الموارد لهذا المجمع، والمبالغة في التركيز على الأمن القومي، إلى تأثير عكسي تماماً، معرباً آنذاك عن اعتقاده بأن استنزاف اقتصاد القطاع الخاص سيضر بالأمة.

وها نحن اليوم نواجه مجموعة من العلاقات العدائية شبه الدائمة مع خصمينا الرئيسيين، الصين وروسيا، اللذين يُنظر إلى سياساتهما وإجراءاتهما على أنها خبيثة ومهددة. ويمكن أن ينطبق هذا الوصف أيضاً على كوريا الشمالية، التي لا يمكن التنبؤ بتصرفات رئيسها.

فلماذا هذا الوضع اليوم؟ وهل يمكن كسر هذه الدورة جزئياً للاستجابة لمخاوف أيزنهاور بشأن استنزاف الاقتصاد وإهمال القطاع الخاص؟ ولماذا يجب أن تكون الولايات المتحدة دائماً رقم 1؟

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أطلقت الولايات المتحدة على نفسها لقب زعيمة العالم الحر، ثم القوة التي لا غنى عنها، لأنه كان يُنظر إلى الحرب الباردة على أنها صراع وجودي محتمل بين الحرية والديمقراطية والشيوعية المتجانسة. وبعد أن تم عزل جزء كبير من أوروبا الشرقية بسبب الستار الحديدي والسيطرة السوفييتية بعد الحرب أخذت الولايات المتحدة على عاتقها قيادة المعركة ضد هذا الحليف في زمن الحرب.

إن الصين، على الرغم من العثرات الأخيرة، في طريقها لأن تصبح صاحبة أكبر اقتصاد في العالم. وروسيا، التي فقدت جانباً كبيراً من قوتها في حربها مع أوكرانيا، تمتلك أكبر كمية من احتياطيات النفط والغاز في العالم، وهذا يعني أن التوقعات الطويلة المدى بالنسبة لها قد تكون أكثر إيجابية بكثير مما يعتقد كثيرون في الولايات المتحدة والغرب.

وعلى فرض أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي، وروسيا استغلت مزيتها في الموارد الطبيعية، ماذا يجب على الولايات المتحدة أن تفعل؟

الجواب هو تحدي افتراضاتها السابقة حول مزايا الاحتفاظ بالمركز الأول. ولن يتسنى تحقيق ذلك من دون حدوث تحول عميق في العقليات والمواقف، والأهم من هذا، استيعاب الصين وروسيا.

في عالم يحاكي العقل، لا يوجد فوائد إضافية كثيرة يمكن الحصول عليها من امتلاك أكبر اقتصاد في العالم. صحيح أن الحفاظ على الدولار كعملة احتياطية مركزية يعد أمراً حيوياً من وجهة نظر الولايات المتحدة، لكن احتلال المركز الثاني من حيث قوة الاقتصاد العالمي لا يُحدث ذاك الفرق الكبير، ما دمنا ندرك أن الصين تعاني العديد من المشاكل والقيود التي من الصعب التغلب عليها حتى لو امتلكت أكبر اقتصاد في العالم.

أما بالنسبة لروسيا، فبغض النظر عما يحدث في أوكرانيا، من المرجح أنها لن تنهار كما حدث مع الاتحاد السوفييتي. فأداؤها الاقتصادي، على الرغم من كل العقوبات، أفضل مما توقعه كثيرون. وبافتراض أن الحرب في أوكرانيا ستنتهي دون تصعيد، فإن احتياطيات الطاقة الروسية العملاقة من شأنها دفع النمو الاقتصادي لموسكو قُدماً إلى الأمام.

وفي ظل هذه الحقائق، هل تحتاج الولايات المتحدة إلى الحفاظ على علاقة عدائية دائمة مع الصين وروسيا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟

فكر فيما إذا كان اقتصاد أمريكا في المركز الثاني خلف الصين، هل يمكن أن يبدأ ذلك بتغيير هذه الطبيعة العدائية للسياسة الخارجية والتحول إلى أساس عملي قائم على المصالح؟ وبالطبع لا يعني ذلك تخلي واشنطن عن سطوتها الدولية أو أن تهمل مسؤولياتها الحقيقية، لكن ما ستفعله ببساطة أنها ستستغل المزايا النسبية الفريدة التي تمتلكها بعيداً عن حجم اقتصاد السوق الحرة.

بدورها، لا تمتلك الصين ولا حتى روسيا اقتصاداً قادراً على استيعاب قدرة تنظيمية مكافئة للمشاريع الأمريكية ولو بعد حين. فحقيقة أن الإبداع والابتكار الأمريكي في القطاع الخاص يتفوق على أي قطاع آخر، بما في ذلك الصين، واضحة لا لبس فيها. فلماذا لا نضع المزيد من الثقة في ذلك ونقوي هذه المزية الريادية؟

وهذا لا يعني بالضرورة إهمال الصناعات الدفاعية وافتراض السلوك الجيد من جانب الآخرين. ولكنه يشير، بحسب تصور أيزنهاور الذي لم يفهمه أحد بشكل كامل، إلى الاعتراف بالخطر الحقيقي الذي يمثله ما يسمى المجمع الصناعي العسكري، وأن تسخير الكثير من الموارد لهذا الغرض من شأنه أن يضعف الاقتصاد المدني، ويعرض الأمة الأمريكية لخطر كبير.

إن احتلال المرتبة الثانية اقتصادياً والتحرك نحو سياسة خارجية قائمة على المصالح أمر جيد للأعمال، ومن شأنه أن يمحو العداوات التقليدية والبنيات التي تركز على التهديد. ولكن هل لدينا القدرة على القيام بهذه القفزة الجريئة؟ أيزنهاور كان سيقول نعم.

*رئيس مجلس إدارة مجموعة «كيلوين»، وكبير مستشاري المجلس الأطلسي في واشنطن

«ذا هيل»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2s3pu9c7

عن الكاتب

رئيس مجلس إدارة مجموعة «كيلوين»، وكبير مستشاري المجلس الأطلسي في واشنطن
«ذا هيل»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"