قمّة السلام الثانية.. وآفاق التسوية في أوكرانيا

00:05 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. صلاح الغول*

بعد أكثر من 29 شهراً من الاقتتال، يتضح أن لا حلّ عسكرياً للصراع الروسي-الأوكراني؛ حيث يسود نمط الحرب الموضعية لجبهات القتال الثلاث، في الشرق، والجنوب، والشمال-الشرقي، ويستمر استنزاف القدرات العسكرية، والصناعية، واللوجستية، للطرفين، من دون تحقيق اختراقٍ كبير، أو تقدم عملياتي من جانب أيّ منهما.

والواقع أنّ استمرار الصراع يزيد من استنزاف قدرات الطرفين، ويزيد احتمالات تمدّد الصراع بين روسيا والغرب. ومن ثم، باتت التسوية السلمية القائمة على المفاوضات المباشرة هي الحل الواقعي، والأمثل، للحرب الروسية-الأوكرانية.

وقد وفرت قمة السلام في سويسرا في يونيو/ حزيران المنصرم، التي بادرت بها أوكرانيا ولم تُدع إليها روسيا، ولم تحضرها الصين، أول فرصة للتعاطي الدولي المكثف مع الحرب. فقد شارك في القمة أكثر من 90 دولة، ومنظمة، دولية حكومية.

وأكدت القمة أهمية الحوار، واحترام القانون الدولي في تسوية الصراع الروسي-الأوكراني، واحترام سيادة أوكرانيا، واستقلالها، ووحدة أراضيها. ولكن الموقعين على البيان الختامي للقمة (82 دولة)، حمّلوا روسيا المسؤولية عن شن الحرب على أوكرانيا.

وقد غطّى البيان الختامي للقمة ثلاث قضايا مهمة، ولكنها ثانوية، وهي تصدير الحبوب الأوكرانية، وسلامة محطات الطاقة النووية (بخاصة محطة زابوريجيا)، وتبادل أسرى الحرب وعودة الأطفال الأوكرانيين إلى وطنهم. ولم توقع عدد من دول الجنوب، أهمها الإمارات، والهند، وإندونيسيا، والمكسيك، والسعودية، وجنوب إفريقيا، على البيان الختامي. وهكذا، لم تُحقق القمّة النتائج المرجوّة منها.

بيد أن البيان الختامي لقمة سويسرا أشار إلى عقد محادثات مستقبلية بشأن إطار عمل للسلام في أوكرانيا، بمشاركة روسيا. كما تعهد المشاركون في القمة باتخاذ خطوات ملموسة في المستقبل في القضايا الثلاث المذكورة أعلاه، مع مزيد من المشاركة لممثلي كل الأطراف الدولية المعنية.

ولذلك، أعلنت الرئاسة الأوكرانية أنّها ستعقد اجتماعاً في قطر بخصوص أمن الطاقة، في أواخر يوليو/ تموز، أو أوائل أغسطس/ آب المقبل، واجتماعاً بشأن حرية الملاحة في تركيا في أغسطس/ آب، واجتماعاً يتعلق بتبادل أسرى الحرب وإعادة الأطفال الأوكرانيين المرحّلين إلى وطنهم في كندا في سبتمبر/ أيلول.

وفي 15 يوليو/ تموز الجاري، صرح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بأن الاستعدادات لعقد قمّة سلام ثانية، في إحدى دول الجنوب، سوف تكون جاهزة بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وأكد ضرورة حضور روسيا هذه القمة. وهذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها زيلينسكي فكرة إجراء محادثات مع موسكو، من دون انسحاب روسي مُسبق من الأراضي الأوكرانية. وعقب تصريحات الرئيس الأوكراني، أعلنت الولايات المتحدة دعمها لدعوة روسيا لحضور «قمة السلام الثانية» بشأن حرب أوكرانيا.

وفي 17 يوليو، أشار وزير خارجية المجر، بيتر سيارتو، الذّي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، أيضاً إلى أن جهوداً تبذل لعقد قمة سلام ثانية بشأن أوكرانيا، خلال العام الجاري، مع تمثيل الطرفين، الروسي والأوكراني، فيها.

من جهتها، رفضت روسيا دعوة الرئيس الأوكراني للمشاركة في قمة السلام الثانية، وكررت شروطها الأساسية لإطلاق حوار جاد حول التسوية السياسية للحرب في أوكرانيا. وتتضمن الشروط الروسية الأربعة: إقرار كييف بالواقع السياسي والعسكري الجديد، بما في ذلك مسألة ضم مناطق في شرق وجنوب البلاد إلى روسيا، وإعلان الحياد العسكري لأوكرانيا، وتخلّي الأخيرة عن أي مساع للحصول على أسلحة نووية، وإلغاء كل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. وقد ذكر مسؤولو الكرملين بشكل مباشر أن روسيا لن تشارك في قمة السلام الثانية لأن شروطها غير قابلة للتنفيذ، نظراً لتعارضها مع المطالب الروسية.

والواقع أن المطالب الروسية، ونظيراتها الأوكرانية، متعارضة بصفة أساسية. فمن ناحية، تُطالب روسيا باعتراف أوكرانيا بالضم الروسي للمقاطعات الأربع ( دونيتسك ولوهانسك وزابوريجيا وخيرسون) التي لا تسيطر عليها القوات الروسية بصورةٍ كاملة، أو على الأقل الاعتراف بخطوط الجبهة الحالية كحدود روسية. وتسيطر روسيا حالياً على ما يقل قليلاً عن خُمس مساحة أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها في عام 2014. كما تُطالب روسيا بالتعهد بعدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، وعدم مطالبة أوكرانيا باستعادة شبه جزيرة القرم. ومن ناحية أخرى، تُطالب أوكرانيا بالاستعادة الكاملة لكل الأراضي الأوكرانية المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، ومن ثم الانسحاب الروسي الكامل من هذه الأراضي، التي تضم أكثر من خمسة ملايين أوكراني. وهكذا، يبدو أفق التسوية السلمية للحرب الروسية-الأوكرانية قاتماً، لاسيما وأنه لم تتقدم أي دولة لاستضافة قمة السلام الثانية بشأن حرب أوكرانيا.

غير أنّ نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لأوكرانيا، تُعد متغيراً مهماً في تحديد إمكانية التئام القمّة الثانية. فإذا فاز دونالد ترامب بالرئاسة، فمن المحتمل جداً أن تلتئم القمّة، ويحضرها الطرفان المتحاربان. فقد تعهّد ترامب، الذي أشاد بسياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الماضي، بوقف الحرب خلال أسابيع، إذا انتُخب رئيساً، وبتقليص المساعدات الأمنية إلى أوكرانيا؛ وهي المساعدات التي تُعد أساسية في استدامة المجهود العسكري الأوكراني.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4sv2a3cp

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"