الجوع

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

لا أحد من منجمي نهايات الأعوام وبداياتها توقع أن تكتوي غزة بمثل ما تعانيه هذه الأيام. هو كابوس إنساني استعصى التنبؤ به، كما تقول الروايات الشائعة، على أعتى أجهزة المخابرات، فما بالنا بالمنجمين إن كان لديهم بالأصل ما يمكن تصديقه؟

تكررت المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مدى سنوات القضية، وتحصي السجلات آلاف من دفعوا أرواحهم ثمناً للمواجهة، غير أن ما يجري في غزة فاق التصور ويحفر في النفوس أرقاماً قياسية للضحايا من الأطفال والنساء على وجه الخصوص، وهو ما استدعى جهوداً مخلصة تحاول وقف آلة الحرب واستعادة معاني الحياة بغير جدوى.

بين التفاصيل المفزعة المتوالية ربما يجدر التوقف أكثر عند سلاح الجوع الذي يتهدد الفلسطينيين في القطاع وينذر بتوسع وصمة جديدة، وأقسى عناوينها ألّا يجد إنسان طعاماً يحفظ له حداً أدنى من مقومات الحياة المطاردة بوسائل أخرى لكنها أصبحت مع طول القضية من المعتاد أو المألوف.

ذهبت المساعدات إلى مرمى بصر الفلسطينيين في القطاع، وتسابق الأشقاء وغيرهم إلى تكديس الطائرات والسفن بكل ما هو ضروري لاستمرار الحياة.. مرت مياه إماراتية إليهم ولم تلتفت لجفاف بعض ردود الفعل، والتربص.. تحرك الأشقاء والمخلصون في أروقة المنظمات الدولية لتسريع مرور هذه المؤن وضمان استمرار تدفقها.

ورغم ذلك، تقول الأمم المتحدة إن خطر الموت جوعاً أصبح عدواً حقيقياً في غزة يطارد أهلها كما تفعل بقية صور الدمار.

صحيح أن الموت واحد، وإن تعددت أسبابه، لكن من المخزي أن يقف الفاعلون في هذا العالم صامتين أمام إنسان يموت جوعاً في القرن الحادي والعشرين، لا لأن الأرض ضنّت عليه بخيراتها، أو خذله رزق البحر، ولكن لأن بينه وبين الطعام، أبسط مقومات العيش، عجزاً دولياً، أو تخاذلاً، أو إصراراً من أي طرف على الاستمرار في إذكاء المأساة.

لا ينسينا زخم غزة أن العدو نفسه حاضر في تفاصيل المحنة السودانية، ومن حذر منه أيضاً الأمم المتحدة التي أحصت قبل شهرين آلاف الأسر التي تعاني الجوع في أرض كان الحلم أن تطعم خيراتها الملايين.

توقعت المنظمة، ولعلها لا تصدق، أن يقترب ما لا يقل عن 10 آلاف طفل دون سن الخامسة من حافة الموت بحلول نهاية العام لانعدام الأمن الغذائي، من المؤكد أن العدد ازداد مع ارتفاع إيقاع العنف.

هبّ العالم محذراً من تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية في صادرات الحبوب وأن تفاقم الجوع في العالم، لكنه يتعامى عن كونه حقيقة مؤلمة بين بعض العرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2n47thfk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"