شطحات في إيقاع الشعر

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

إلى أين سافر الخاطر حين هاجه الشوق إلى إيقاعات الشعر العربي، وهيّج أشجانه توقيع التفعيلات؟

طلاب المناهج الأدبيّة مساكين، لا يُعلّمونهم أن الإيقاع رياضيات. يعيد القلم هذه الجملة ويكرّر: «تعريف الإيقاع هو أنه تقسيم الزمن إلى وحدات».

عندما يشاهد الناس عازفي الوتريات، ويرون لعب الأنامل على الأوتار، لا تخطر ببالهم النسب العددية في التقسيمات: نصف، ثلثان، ثلاثة أرباع، أربعة أخماس إلخ. في الواقع، رقص الأنامل على رقبة العود، الكمان، التشيللو، الكونترباص، إنما هو تحديد نسبة طول الوتر التي ستحدّد الدرجة الصوتية التي يريد العازف إصدارها من تلك النقطة بالذات. مثلاً: خذ وتراً مشدوداً من طرفيه فقط، وحرّكه، سيعطيك صوتاً معيّناً، ثم اضغط عليه من منتصفه بالضبط، سيكون الصوت هو نفسه، لكن أعلى بثماني درجات، (ديوان أو أوكتاف). في العامية الموسيقية، يقولون: «شايب وشباب». الثلث، الربع، الخمس، السدس، الثمن إلخ... تصدر أصواتاً أخرى بنسب أخرى.

الآلة الوترية مثل الحاسوب، أنت تنتشي بالألحان، وتصيح: يا سلام، الله، والعود لا يفهم إلا لغة النسب والانتقال بين أطوال الأوتار. تماماً كالحاسوب، أنت سابح سارح مع الألوان، والأصوات والصور المتحركة، وهي كلها عنده أصفار وآحاد، مثلما يقول المثل: «كل المدوّر كعك».

أنت والجبل والشجرة، الكل ذرّات أصلها طاقة.

هذا المجال ليس للمزاح، فها هنا معادن العلوم وشموس المعارف. كل الكون ذبذبات وتردّدات، كتبت بلغة الرياضيات. من هنا استوحى فلاسفة اليونان فلسفة «موسيقى الأفلاك». تصوّروا أن النسب بين مواقع الكواكب تشبه نسب أطوال الأوتار عند العزف.

في الحاسوب، إشارة ملهمة في لغة الأصفار والآحاد، إلى الأصل الواحد للمادة الكونية. أعظم جديد في الفيزياء، هو دخول المعلومات (أنفورميشن) كمنشأ لكل مادّة في الكون.

إلى أين يسافر الخاطر؟ نأينا عن موضوع الإيقاعات الشعرية، فنحتاج إلى ما يسمّيه الفيزيائيون «ثقب الدودة»، الذي ينقلك بسرعة من كون إلى آخر. لماذا يركض بعض المثقفين وراء التجارب الواهية؟ الخيبة التي أصيبت بها الثقافة العربية، في الشعر الحديث، هي أنها تعلّقت صبابة بموجات الموضات الأوروبية، فحملتها إلى حيث ألقت، وعندما تراجع عنها أدعياء إبداعها، وخاب مسعى نقّادها، أقفرت ساحة المقلّدين المستلبين. اليوم، نرى الحياة تعود إلى الأساليب الكلاسيكية. في الظروف العصيبة التي تمرّ بها الأمّة، لا يجرؤ من ظلت لديه ذرّة عقل أن يخاطب الناس بنصّ حداثوي. سيُرمى بالحجارة.

لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: لا توجد لغة لها ثروة إيقاعات الشعر العربي: تأمّلوا الفارق بين المتقارب والمنسرح، بين الطويل والخبب، بين البسيط والمديد. بين الرجز والهزج. أوركسترا وباليه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5n8h5cey

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"