عالم من «الفبركة»

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

قبل أسابيع قليلة فقط، أشرنا إلى قول أقدم ناشر للقواميس في الولايات المتحدة (Merriam-Webster)، بأن مستخدميه رددوا كلمة واحدة باستمرار عام 2023، هي كلمة «أصلي»، حيث شهد الذكاء الاصطناعي بُعداً جديداً للعصر الرقمي، بنشوء ونمو ما يُسمى ب «التزييف العميق»، الذي يتلاعب بالصور أو مقاطع الفيديو رقمياً ويخدع المشاهدين، فأصبح من الصعب تصديق أعين المرء عند مشاهدة المحتوى عبر الإنترنت، وهو ما يفسر زيادة بحث الجمهور عن الوضوح، من خلال الكلمة – المفتاح: «أصلي»، لأنه بات صعباً حل العقدة التي تفصل بين الحقيقة والخيال.
وحسب تقرير قديم، مضى عليه نحو عامين نشره موقع «دي. دبليو»، أشرنا إليه في حينه أيضاً، فإن كافة مجالات «التزييف العميق» باتت ممكنة، بما في ذلك تبديل الوجوه، أي «استبدال وجه شخص بآخر، أو تزامن تحريك الشفاه، إذ يمكن ضبط فم المتحدث على ملف صوتي مختلف عن الصوت الأصلي، أو استنساخ الصوت، حيث يتم استنساخ نسخة من الصوت من أجل استخدامها لقول أشياء أخرى». نستعيد هذا مع اقتراب العام الجديد، عام 2024، ونحن نطالع تقريراً طازجاً نشره، هذه المرة، موقع «فرانس 24» الفرنسي، بعنوان: «أبرز الأخبار الكاذبة في العام 2023 على شبكات التواصل الاجتماعي»، جاء فيه أن العام الذي أوشك على الانتهاء شهد تصاعداً غير مسبوق لانتشار المعلومات المضللة، على شبكة الإنترنت وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي، وقام فريق تحرير من الموقع المذكور باختيار خبر مُزيف واحد من كل شهر، ليقوم بدحضه، ولا تتصل تلك الأخبار المزيفة، بأخطر وأوسع حربين يشهدهما العالم اليوم: الحرب على غزّة والحرب في أوكرانيا فقط، وإنما بموضوعات أخرى، مثل ظهور الذكاء الاصطناعي، والكوارث الطبيعية، والهجرة، أو حتى التوترات في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، فكل هذه (الساحات) «كانت بانتظام موضوعاً لمعلومات مضللة وقاعدة لتقنيات» التزييف العميق «وتوجيه معلومات المحتوى البصري».
لا مجال لعرض محتويات هذا التقرير الطويل نسبياً، ويمكن العودة إليه على الموقع المذكور الذي أعطى نماذج للأخبار المفبركة، وكلها نماذج مثيرة للاهتمام، ويمكن أن نعطي مثالاً واحداً من بلد عربي هو السودان، حيث زعم ناشرو مقطع فيديو أنه يُصوّر إيقاف أعضاء مجموعة «فاغنر» الروسية هناك، فيما يظهر الفيديو في الواقع، إجلاء العاملين في السفارة الروسية بالخرطوم، بعد اندلاع الحرب السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع.
بات للوسائل الإعلامية المختلفة، خاصة منها وسائل التواصل الاجتماعي، سلطة لا تقهر في تحويل المُزيّف إلى حقيقي، والكاذب إلى صادق، ما يجعل السؤال وجيهاً حول، ما إذا كنا نعيش فعلاً في عالم مفبرك، حلّ بديلاً للعالم الفعلي؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ymjya6br

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"