همنغواي بالكوفية والعقال

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

ما من صورة بالكوفية والعقال للأمريكي إرنست همنغواي، مؤلف «الشيخ والبحر» و«لمن تُقرع الأجراس» وسواهما من الروايات والمجموعات القصصية، وأيضاً لا رسم كاريكارتير ألبس راسمه همنغواي كوفيتنا وعقالنا، وإن كان الذكاء الاصطناعي و«التزييف العميق» قادرين، اليوم، على فعل ذلك، فيجعلنا نصدّق أن همنغواي قصد جزيرة العرب أو بلاد الشام وارتدى الكوفية والعقال كما فعل «لورانس العرب».
لهذا استوقفتني مقدّمة ترجمة لكتاب همنغواي «الوليمة المتنقلة» الذي دوّن فيه ذكرياته في باريس التي عاش فيها فترة في شبابه، في فترة وصفت بأنها من أجمل الفترات التي عاشتها المدينة، حيث وضع مترجم الكتاب القدير، علي القاسمي، لمقدمته تلك عنوان: «متى يرتدي همنغواي الكوفية والعقال». ونسخة هذا الكتاب اقتنيتها من كشك يبيع الصحف والكتب في أحد شوارع العاصمة المغربية، الرباط، حيث صدرت تلك الترجمة عن دار نشر مغربية هي «منشورات زمن» كما هو مدون على غلاف الكتاب.
في البداية خطر في بالي أن المترجم مغربي، ولكن المترجم أفصح في بداية مقدمته أنه تعرّف أول مرة على أدب همنغواي، عندما كان يدرس في الجامعة الأمريكية في بيروت، فحرتُ في الأمر، فعهدنا أن أبناء بلاد الشام والمشرق عامة، هم من يقصدون بيروت وجامعتها الأمريكية لمواصلة دراستهم، فيما يقصد أبناء المغرب العربي الجامعات الفرنسية، بسبب القسمة التي فرضتها «سايكس بيكو» بين الإنجلو سكسوني والفرنكفوني، ورغم أن لبنان وضع في الضفة الثانية، لكن الجامعة الأمريكية في بيروت نافست ذلك، وبقوّة، من خلال تعليمها بالإنجليزية.
لاحقاً علمت أن علي القاسمي، عراقي المولد والنشأة والجنسية، لكنه عاش في المغرب، ويوصف بأنه من أكفأ المترجمين العرب من الإنجليزية، حتى أن مواطنه عبد الرحمن الربيعي قال إنه حين قرأ ترجمته ل«الوليمة المتنقلة» شعر بأنه كان يقرأ الكتاب بلغته الأصلية ولم تعد به حاجة لقراءته بالإنجليزية.
اختار علي القاسمي، ذلك العنوان لمقدمته للكتاب للإشارة إلى صعوبات الترجمة وتعقيداتها، فالفكرة ليست في التمكن من اللغتين: المترجم منها والمترجم إليها، وإنما على المترجم «أن يُموقع النص في سياقه الثقافي ومقامه الاجتماعي، وأن يصوغه بأسلوب يتناسب مع أسلوب الكاتب الأصلي»، قائلاً إنه عندما قرأ كتاب همنغواي في لغته الأصلية وأعجبه أيّما إعجاب تردد كثيراً في ترجمته، وأبعد الفكرة عن ذهنه كليّة، لا لصعوبة لغة همنغواي، فهي ليست كذلك، وإنما للاعتبار المشار إليه. وبعد سنوات طوال عاد إلى الفكرة، وقبل أن يشرع في الترجمة قصد باريس، وأقام في شقة هناك ليتتبع مسار همنغواي نفسه، ويمرّ على كافة الأماكن والمقاهي والمطاعم التي يرتادها.. ولنا عودة قريبة لإكمال الحكاية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yytzj7hr

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"