طه حسين بعين محمود العالم

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

قبل نحو خمسة عشر عاماً، نشرتُ هنا مقالاً بعنوان «العميد والشبّان الثلاثة»، حول لقاء جمع طه حسين مع محمود أمين العالم ومصطفى سويف ويوسف الشاروني، عندما كان الثلاثة شبّاناً، حيث قصدوا الدكتور طه حسين في بيته، ليستأنسوا بفكره ويستمعوا إليه، كما يجدر بشبان شغوفين بالمعرفة فعله في التعلّم ممن هم أوسع منهم معرفة وخبرة وعلماً، ولسنا في حاجة للتذكير بأن «الشبّان» الثلاثة يومها، غدوا لاحقاً رموزاً فكرية وأدبية مهمة.
ومن الخلاصات التي وقف عندها محمود العالم من ذلك اللقاء قول طه حسين: إن وعي النخبة وحده ليس كافياً، إن لم يقترن بالعمل من أجل تعميمه ونشره، حتى يكون المجتمع محصناً بوجه احتمالات الردات إلى الوراء.
حكاية هذا اللقاء أتت في مقال للعالم بعنوان: «بعض اللحظات مع طه حسين»، نشره أول مرة في كتابه، «مواقف نقدية من التراث»، وتضمّنه المجلد الثالث من أعماله الكاملة، وما هذه الزيارة إلا واحدة من «اللحظات» التي جمعته مع «العميد»، ورغم إقرار محمود العالم بغلوّه، هو وأنيس عبد العظيم، في نقد أوجه من فكر طه حسين في مقال قال: إن به «استعلاء كبيراً»، لكن ذلك لم يثر ضغينة «العميد» ضد الرجلين، وربما رأى فيما وجّهاه من نقد إليه أنه لا يخلو من «نزق الشباب».
في اللقاء التلفزيوني الذي أدارته الإعلامية القديرة ليلى رستم، وجمع طه حسين مع نخبة من نجوم الأدب والفكر في مصر هم: يوسف السباعي، ثروت أباظة، أمين يوسف غراب، عبد الرحمن الشرقاوي، نجيب محفوظ، أنيس منصور، كامل زهيري، عبد الرحمن صدقي، عبد الرحمن بدوي، بالإضافة إلى محمود أمين العالم نفسه، خصّ «العميد» العالم بالذات بالثناء، حتى إنه بعد أن استمع إلى أسئلة بعض الحاضرين وليس كلهم، قال: «ما سمعناش رأي محمود العالم»، كأنه يستعجله الحديث، وفي نهاية اللقاء أخذ «العميد» على أدباء الجيل التالي له أنهم لا يقرؤون كما يكتبون، لكنه استثنى محمود العالم من ذلك.
آخر لقاء جمع الرجلين زيارة قام بها محمود العالم إلى «العميد» وكانت «لحظة تقترب بنا من النهاية»، حيث لم يمرّ وقت طويل حتى تُوفي «العميد»، وفي وصف هذا اللقاء قال العالم: «كنت أجلس إليه في بيته، لا أكاد أرى له جسداً، إلا بقية شيء لم يعد يملكه، وإنما يحمله له غيره، ولكنه لا يزال على شموخ حضوره الذاتي وصفائه الروحي ولمعانه الفكري».
وعن «العميد» نقل العالم قوله: «علينا بعلمنا وإنتاجنا وإبداعنا أن نكون أفضل امتداد لماضينا، وأفضل شركاء فاعلين مسهمين إسهاماً إيجابياً في عصرنا».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mav3kyr4

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"