ينظم مهرجان الشعر العربي في كل دورة في الشارقة مجموعة قراءات في وادي الحلو وفي خورفكان، وهو تقليد سنوي على درجة كبيرة من الأهمية في برنامج المهرجان الذي يمتد حوالي الأسبوع في مثل هذا الوقت الشتائي من كل عام.
تأخذ القراءات في خورفكان وفي وادي الحلو طابع الرحلة الثقافية وعمادها شعراء وشاعرات من الإمارات ومن البلدان العربية طريقهم مدى متنوع الطبيعة من أفق رحب مفتوح على جماليات الأرض الكريمة إلى أفق آخر من الجبال الملهمة بصرياً وجغرافياً للكتابة، ومن هنا، أرى أن هذا المدى البصري الأرضي والسماوي الممتد من الشارقة إلى خورفكان ووادي الحلو هو في حدّ ذاته قيمة مكانية وجمالية بالنسبة للشعراء الضيوف الذين يجدون حافزاً داخلياً للكتابة، وربما يكون البعض منهم قد رأى هذا الأفق المكاني الشارقي للمرة الأولى.
هذا جزء من أهمية هذه الرحلة الثقافية إلى مناطق أو أمكنة هي في صورها المكانية والجغرافية أمكنة شعرية بامتياز.
عادة، لا يكتب الشاعر مباشرة ما يراه، بل، يقوم بعملية تخزين لهذه الصور والمرئيات في ذاكرته أو لنقل في عينيه، بل، يقوم الشاعر حين يحب المكان بتخزين صوره في قلبه، وحين يكتب، فهو، بالضرورة، يكتب من قلبه ومن عينيه.
عين الشاعر، ليست عين الكاميرا الفوتوغرافية الآلية، بل عين الشاعر هي أكثر من عين، إنه يلتقط الصور ويخزنها، ثم حين يكتب، يضيف إلى هذه الصور صوراً جديدة من خلال لغته، وقدرته على تحويل ما يراه إلى فن وأدب وجماليات.
مرة ثانية، تلك هي القيمة الجميلة فعلاً في الرحلة الثقافية الشعرية التي ينظمها المهرجان، وهنا، ليس بالضرورة أن يكتب الشعراء شعراً فقط مستلهماً من جماليات المكان الذي يرونه للمرة الأولى في الشارقة، بل، قد يذهب البعض من هؤلاء المبدعين العرب إلى كتابة مشاهدات ويوميات ومذكرات تقوم على النثر الفني، السردي، والقصصي والحكائي الذي يوثق يومياتهم بهذا الأدب الرفيع.
الكتابة، سرداً أكانت أم شعراً هي التاريخ الجمالي اليومي للكاتب أو الشاعر. الكتابة هي حياة الشاعر، وتصبح هذه الحياة أكثر ثراءً بالصور واللغة حين يرى الأمكنة للمرة الأولى، و(المرة الأولى) هذه هي بوّابة للكتابة، ومن خلالها نعرف تداعيات أفق الأرض، وأفق السماء.
هي تجربة، إذاً، يوفّرها المهرجان لضيوف ديوان العرب نحو مقاربة المكان الشعري والثقافي في الشارقة وقراءته بعين الرؤية والرؤيا، هنا في مكان الشعر.. ومكانته...
