غياب الثقافة الواقعيّة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ما هي الأسباب التي حالت دون ظهور ثقافة واقعيّة في العالم العربي، طوال العصر الحديث؟ المقصود الثقافة التي تستخدم العقل والفكر والمنهجيّة العلميّة، في التعامل مع الواقع، منتجهةً البحث والتحليل وعلاج المشكلات وتطوير الإمكانات وتنمية الطاقات. يمكن تسميتها أيضاً ثقافة الفعل.

من أشدّ السلبيّات سلبيّةً، في التاريخ العربي المعاصر، عدم الإحساس بالزمن، وعدم القدرة على التعلمّ. قد لا يختلف اثنان في أن هذين العاملين هما علّة كل الأدواء التي أصابت الأمّة، أو في الأقل جلّ الأعراض والأمراض. يقيناً، لا حاجة إلى توضيح الواضحات، وإلاّ فكيف يمكن ادّعاء الإحساس بالزمن، بينما لم تتطور مناهج التعليم العربية حتى الساعة، لم ينتشر البحث العلمي، لم تقم للصناعات قائمة، لم تُسدَّ الفجوةُ الغذائية، لم تزدهر الفنون بل تقهقرت وتردّت، فقد كان المسرح والسينما والموسيقى أفضل ممّا هي عليه اليوم بما لا يقارن. هذه المشاهد كافية، فهي تصلح للاستدلال على عدم القدرة على التعلم، من الماضي تحديداً.

انعدام الثقافة الواقعيّة العقلانيّة، وانعكاسها على السلوكيات المادّية والمعنويّة، ناجم عن أن تلك السلبيات تعانيها الأغلبية الغالبة من البلدان العربية. عدم تطوير المناهج يؤدي إلى تشابه الأدمغة في أدائها، لأنها نشأت على أساليب تربويّة تجاوزها الزمن، فالحاصل أنماط تنمويّة متعثرة، تخلّف إداري، تردٍّ في الخطط الاقتصادية، فساد ماليّ، قضاء غير مستقل، وقس على ذلك. يفضي تشابه المشاهد في عدد من البلدان، إلى استنتاج خاطئ، وهو أن العقل العربي العام هو المسؤول، في حين أن أشكال التربية قائمة على مناهج لم تخضع للمعايير العلمية، فالتفكير المنهجي والبحث العلمي والموضوعيّة القائمة على الدراسة، تُزرع منذ الابتدائية، إن لم تُتَح الفرصة قبلها في الحضانة. تربية العقل الناقد وحريّات الفكر والرأي والتعبير، هي الأخرى في المسار ذاته.

لا شك في أن القلم يستعمل كلمة «ثقافة» خارج المتعارف عليه، المتمثل في الميراث الثقافي، عربياً وعالمياً. هو يُفضّل في هذه السياقات، مجموعة المحركات المؤثرة في السلوكيات الذهنيّة والمادّية وطرائق الممارسات. برهانه في هذا الاستخدام، هو أن الموروث الثقافي إذا كان غائباً في الفعل، فكأنه غير موجود. لكن في الواقع نرى الفوارق التنموية والإبداعية لدى الشعوب، نرى التقدم والتخلف. ذلك هو انعكاس ثقافة الفعل.

لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: الثقافة هي ما يبقى عندما يذهب كل شيء. مقولة رائعة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2jz79wf4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"