لا تسقط الأقنعة في الانتخابات الرئاسية

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.نسيم الخوري

صحيح أنّ العيون العالمية راحت تتحوّل لماماً عن الحروب الكثيرة في العالم، نحو مناظرات السباق المتجدّد نحو البيت الأبيض بين الرئيس الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب، لكنّ الصحيح أيضاً أنّها الحماسة الأشدّ فتوراً، لتكرار المشهد بين الرجلين أوّلاً، تذكيراً بالسقطات الهائلة لصورة العلاقات الرئاسيّة بينهما وما تبعها بعد نجاح بايدن حيث لم تشهد أمريكا مثيلاً لها منذ 120 سنة، ولاختلال مفهوم «الاتّحاد» بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وكذلك مصطلح «الوحدة» في مسمّى الولايات. وقد ينسحب الأمر المترجرج على مواصفات «العظمة» الدولية ومفاهيمها وحدودها ثانياً، على الأرجح. أمريكا أوّلاً أو أمريكا ثانياً وثالثاً إلى مآزم الاقتصاد والرعاية الصحيّة والهجرة المتدفّقة من فوق سلالم المكسيك والعالم والكورونا التي ربّما عادت تلوّح بمناديلها مجدّداً..الخ، من مفردات واتّهامات متبادلة نسيناها بعدما شغلت العالم وأسقطت معايير الحريّة والديمقراطية والكثير من القيم الإنسانية في الميزان.

لسنا في عجالةٍ بانتظار النتائج خصوصاً وأنّنا كغيرنا من دول العالم وشعوبه وكما جرت العادة، نُعاني أزمات ننشغل فيها فنمضي مع كلّ انتخاباتٍ لرئاسة أمريكا، نتلهّى متسائلين وكأنّنا نفرط أوراق الزهور نتبارى متمتمين: ترامب أم بايدن؟، مع أنّنا لطالما عاينا السياسات الأمريكية والدولية وحفظناها ولم نعد نرى فيها سوى مواقع شعوبنا شموساً وأقماراً.

كان لا بدّ من تناول كتابٍ لدونالد ترامب أمامي عنوانه:«ترامب بلا قناع، رحلة من الطموح والغرور والمال والنفوذ». ما أن قلّبت ملاحظاتي فوق الصفحات ال 500 منهياً قراءته حتى لاح عنوان هذا المقال:«لا تسقط الأقنعة في الانتخابات الرئاسيّة الأمريكية». المعروف أنّ للأقنعة أدوارها في صقل السلطات، غير أنّها لا تسقط شعبيّاً إلاّ في «عيد البربارة» لدى المسيحيين يحتفلون بها في بلاد الشام. وتُفيد الرواية أنّ بربارة هي الإبنة الوحيدة لوالدها الوثني ديوسقوروس وعُرف بغناه الفاحش. وُلدت في نيقوميديا في القرن الثالث للميلاد وقامت بمراسلة أوريجانس علناً في مدرسة الإسكندرية. عندما علم والدها بالأمر قطع رأسها وكأنّه يُسقط القناع. هكذا يخرج المسيحيون في عيد البربارة مساء 3 و4 ديسمبر(كانون الأول) من كلّ عام حتى اليوم في بلاد الشام إلى الساحات متنكّرين بالأقنعة ومحتفلين بأغانٍ وأناشيد طقوسية.

أصدرت «الواشنطن بوست» «ترامب بلا قناع...» عبر آلاف الصفحات والوثائق والأبحاث والمعلومات المكدّسة، موكلةً ل 33 صحفياً حياة ترامب، وأجروا معه 30 مقابلة وتُرجم الكتاب إلى معظم اللغات العالميّة وفيها العربيّة. الغريب أنّ دونالد ترامب نفسه اعتبره «كتاباً سخيفاً» مملاّ ناصحاً القرّاء بقوله:«لا تشتروه»، مع أنّه لم يكن قد رأى الكتاب بعد. كان وفيّاً، كما يبدو، للوعد الذي قطعه على نفسه بأنّه لم ولن يقرأه مع أنّه شديد الأهميّة أكثر من ذي قبل.

لماذا؟ لأنّ ما اعتمده ترامب ناموساً مشعّاً لحياته الحافلة بكلّ ما يرسّخ جذوره الأمريكية، نجدها موثّقة بجذور أجداده المهاجرين كي لا تبقى تلوح في الهواء. تعود لأمّه المهاجرة نحو أمريكا من جزيرة نائية في اسكوتلندا عملت بتنظيف الأسماك المُعدة للتصدير وتزوّجت ألمانيّاً هناك هاجر من حقول العنب في جنوبي ألمانيا فأنجبا رئيساً لأمريكا عرّف هو نفسه ب«الأعجوبة الثامنة». وإلاّ! كيف نفهم ما قاله في كتابه: إنّ «الإنسان هو أكثر الحيوانات ميلاً إلى الشرّ، والحياة سلسلة من المعارك التي يفترض أن تكون شرسة لتنتهي بالنصر أو بالهزيمة... ولو أنّ العالم بأجمعه آل إلى الخراب فإنّني لن أخسر في حياتي دولاراً واحداً....»(ص: 142).

جملة واحدة قد تعنينا تشي بشرور السياسة سواء مع دونالد ترامب 2 الذي لم ولن يضبطه حزب جمهوري أو مع جو بايدن 2 الديمقراطي المدموغ حزبه بإلقاء القنبلة الذريّة فوق هيروشيما والمدموغ شخصياً بفواجعه العائلية التي جعلته متعثّراً ومربكاً.

تقول الخاتمة: مهما تعمّقت بينكم الأصول والحفر والمسافات والخلافات والمكائد، لكنها تسهر لأن تجمع ما يفرّق حاصدةً الرياح والغنائم كيفما هبّت، وهذا هو التحدّي لتواريخ الشعوب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5n8fcuhf

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"