حواريّة الثقافة التصحيحيّة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

قلت للقلم: هل يمكن أن تفرك عينيك وتتمطى ثم تتثاءب، فلقد عزمت على أن ألقي عليك قولاً ليس من وزن الريشة؟ قال: إلاّ التثاؤب، فأنا على نهج أبي العلاء: تثاءب عمرٌو إذْ تثاءب خالدٌ.. بعدوى، وما أعْدَتنيَ الثؤباءُ. لكن ما خطبك؟ قلت: أمس، تحدثتَ عن الثقافة الواقعية أو ثقافة الفعل، ولم تذكر ما إذا كان الأوان قد فات، أم لا يزال في الأفق أمل في ظهور ثقافة تجمع الحطام والشتات؟ لقد انطلق قطار العام 2024 ولا أحد يعرف نهاية المطاف أو يملك الكوابح.
قال: أوان الثقافات التصحيحية البناءة لا يفوت أبداً. ما يفوت هو اغتنام فرص تأسيسها. خذ مثلاً: منذ أواخر القرن التاسع عشر، تدفقت أنهار من الأفكار النهضوية، لكن مَصبّها كان في القفار الماحلة والسباخ المالحة. كان العطاء الأكبر قبل منتصف القرن العشرين. المفارقة الفاقعة هي أنه عندما قامت الجامعة العربية اتجهت البوصلة نحو الانحدار في العلاقات البينية. لعلّه سوء طالع، نحس، عين، سحر، أو حسد لم يتّقوا شرّه بتميمة.
قلت: لطالما حذّرنا القدامى من التميمة، فأبو ذؤيب الهذلي يقول: «وإذا المنيّة أنشبت أظفارها.. ألفيتَ كل تميمة لا تنفعُ»، يقصد أظفار الحضارة الغربيّة. وقال أبو الطيب: «ديارُ اللواتي دارهنّ عزيزةٌ.. بطول القنا يُحفظن، لا بالتمائمِ». أليس هذا دليلاً على أن ثقافة الفعل هي التي توزن بها البلدان؟ وإلاّ فما قيمة أن يحفظ الناس الأشعار بلا طائل؟ ثقافة الفعل يغدو بها قول المتنبي: «أعلى الممالك ما يُبنى على الأسَلِ» (الرماح العوالي) نقشاً لا يُمحى على الفكر الاستراتيجي. هل عرفنا قيمة الجوهرة التربوية المأثورة عن الإمام علي بن أبي طالب: «لا تُعلّموا أبناءكم ما عُلِّمْتم، فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم»؟ أو كما قال، فالمضمون واحد. هل بنى العرب والمسلمون عليها مكتبة تربوية طوال القرون الأربعة عشر الماضية؟
قال: الثقافة السائدة بأشدّ العبارات تهذيباً، لا تكترث للمفاهيم الحيوية للثقافة. ظاهريّاً، يحترم العالم العربي التراث، ولكن أصدق ما ينطبق عليه هو الآية الكريمة: «وتأكلون التراث أكلاً لَمّا» (الفجر 19)، سوى أنه أكل من دون هضم ولا تمثيل غذائي، فلا يتحوّل إلى طاقة ونموّ وفكر وإبداع، تتجلّى آثارها في الحياة العامّة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإيجابية: في تعامل العالم العربي مع التراث مواكبة لعصر التكنولوجيا، فالأدمغة تمرّ عليه مرور الماسحة الضوئية. أرشيفات لسرد الأمجاد.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5n8p3hus

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"