بالصوت والكلمة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

قد نسأل: أليس الصوت هو، في جوهره، كلمات تقال بدل أن تكتب؟ أليست الشفاهة، لو تناولناها من زاوية التحدث باللسان، سابقة للكتابة، ولكنها كالكتابة، عُدّتها هي الكلمات، وإذا كانت الكتابة صامتة بطبيعتها، ويتعين استنطاقها، فإن الشفاهة ناطقة بالصوت. ليست كل الأصوات كلاماً، فهناك، مثلاً، صوت الضحك وصوت البكاء، وللحيوانات أصواتها.

لا أحسب أن هناك لغة أغنى من العربية في مسميات أصوات الحيوانات، فلو عرضنا لها كلها هنا، فإنها ستغطي ما تبقى من مساحة هذا المقال، لكن لا بأس من ذكر بعضها: زئير الأسد، عواء الذئب، صهيل الخيل، فحيح الأفعى، خوار البقرة، نهيق الحمار، نقيق الضفدع، طنين البعوضة، تغريد البلبل، صياح الديك، هديل الحمامة، مواء القطة، نباح الكلب.

هل خرجنا عن الموضوع؟ ربما، لكن لنرى أننا لسنا وحدنا من يحتكر الصوت، وليست الحيوانات وحدها من يشاركنا إياه. للطبيعة من حولنا أيضاً أصواتها. للبحر هديره، وللهواء أزيزه وهزيمه، وللماء خريره، وللأشجار حفيفها. وكما نفهم من كلام البشر، أو ما يصدر عنهم من أصوات، ماذا يريدون التعبير عنه، أو ما يحسون به لحظة إصدار أي صوت، علينا أيضاً «قراءة» ما تريد بقية الكائنات قوله حين تصدر أصواتها.

في التسلسل التاريخي لأشكال التواصل بين البشر، أتت الكتابة، أو التدوين، بعد الشفاهة. كثير مما كان البشر يعبرون عنه بالكلام، صاروا يعبرون عنه بالكتابة، ولعبت الرسائل المكتوبة دوراً مهماً في التواصل بين الناس حين تبعد بينهم المسافات، وكانت هذه الرسائل تقطع دروباً وشهوراً طويلة قبل أن يستلمها المرسلة إليه من المرسل، في أزمنة لم تعرف بعد لا السيارات ولا القطارات، ناهيك عن الطائرات. هذا كان قبل أن تُخترع الهواتف التي أصبحت تنقل الأصوات بين البلدان والقارات.

كان على البشر أن ينتظروا قروناً أخرى، قبل أن تصبح الهواتف ملازمة لأيديهم، ليلاً ونهاراً، وحتى عندما ينامون فإنها تجاورهم على أقرب طاولة لأسرّتهم، فإذا بهذه الهواتف التي أسموها «ذكية» تجمع بين الكلمة والصوت. مثلما تهاتف أحدهم وتتحدث إليه، بوسعك أن تكتب إليه رسالة من الجهاز نفسه. ومضى وقت آخر قبل أن تصبح هذه الهواتف ناقلة للكلام، ولكن ليس على شكل مكالمة، وإنما بما أصبحنا نعرفه بالرسائل الصوتية. ألسنا في عصر السرعة؟

لماذا إذن، علينا أن نجهد أصابع اليدين في كتابة رسائل قد يطول الشرح الذي تتضمنه، ولماذا نكرر أخطاء الإملاء في الرسائل التي نكتبها؟ كبسة زر على مربع أو دائرة في شاشة الهاتف «الذكي»، بالكاد تُرى، ثم تنطلق في الكلام، وتتدفق فيه، وبكبسة زر أخرى تبعث ما سجلت.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4w8fnz6e

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"