عاصفة قلق تجوب العالم

00:29 صباحا
قراءة دقيقتين

يبدو الوضع في جنوب شرق آسيا أشبه بالثقب الأسود بالنظر إلى ما يحدث فيه من تصعيد وشد وجذب، خصوصاً في شبه الجزيرة الكورية التي تشهد تصعيداً غير مسبوق بين الشمال والجنوب، تهديدات بالحرب، مناورات ضخمة، تجارب نووية، إطلاق صواريخ متعددة المدى، كلها عناصر توحي بتوتر عال لا يمكن التهوين من خطورته في ظل أوضاع عالمية تميل إلى التقلب في أكثر من منطقة.

الأمر الذي يستدعي الانتباه أن الخطاب الصادر عن كوريا الشمالية أصبح أكثر عدوانية في الأشهر الأخيرة، وفي الأيام القليلة الماضية أخذ نسقاً تصاعدياً، وسط تحذيرات من أن الوضع قد يتجه إلى الحرب هذه المرة، وليس مجرد تهديد أو رغبة في استقطاب الأنظار. وينبع هذا التخوف أساساً من اشتداد الاحتقان بين القوى الدولية الكبرى، الولايات المتحدة والصين وروسيا، التي تتصادم في أكثر من نقطة ساخنة.

ومثلما الصدام الغربي الروسي قائم في أوكرانيا ومازال مفتوحاً دون حسم واضح، لم يهدأ التوتر بين بكين وواشنطن حول تايوان والنزاع في بحر الصين الجنوبي وطرق التجارة ومستقبل الهيمنة على العالم، دون نسيان ما يدور في الشرق الأوسط بسبب الحرب الإسرائيلية على عزة والأزمة المتمادية في جنوب البحر الأحمر. وكل هذه الأزمات القائمة يتقاطع بعضها ببعض، طالما أن اللاعبين الكبار حاضرون في كل ميدان منها، ويديرون الصراع بالأصالة حيناً وبالوكالة أحياناً أخرى.

هذا العالم المتوتر جداً ليس على ما يرام، ويبقى التساؤل منطقياً ومشروعاً عن أسباب التفجر المتزامن بين كل هذه الأزمات. فالوضع في شبه الجزيرة الكورية لم يكن كذلك قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، فقد أعلنت كوريا الشمالية نفسها دولة نووية، وعززت علاقاتها واتصالاتها مع بكين وموسكو، وصرحت بأنها لم تعد ترى أي فائدة من المحادثات مع واشنطن لرفع العقوبات والتهدئة واستكمال ما بدأه زعيمها كيم جون أون والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، العائد على الأرجح، إلى البيت الأبيض. وأصبحت عودته المحتملة مبعث قلق كبير في أوروبا، التي يعاني أغلب قادتها هذا الكابوس، بعدما ابتهج كلهم برحيله عن البيت الأبيض عام 2021، وكان الظن أن الصفحة طويت وأن سلطة هذا الأمريكي الشعبوي كانت شذوذاً عن قاعدة التحالف المتين بين ضفتي الأطلسي.

كل ما يدور في هذه الملفات المتشابكة يثير عاصفة من القلق لا تهدأ. ورغم بعض التطمينات من هنا أو هناك، إلا أن المخاوف السائدة جدية وتطرح تحديات جمّة. ومن نتائج هذه التوترات اختلال موازين القوى وتصدع النظام الدولي بمؤسساته وقوانينه، فالأمم المتحدة، وذراعها القانونية مجلس الأمن، باتت مشلولة تماماً ولم تعد تستطيع الفصل في المنازعات، وليست قادرة على حفظ الأمن والسلام الدوليين. ومن أزمة إلى أخرى تترسخ الفوضى وتتسع دائرة الإحباط، وليس هناك من أمل إلا أن يستوعب كبار اللاعبين أن المضي في هذا المسار يستوجب الحكمة والحوار، وليس صنع الأزمات واختلاق الصراعات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/hptjcc6w

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"