عادي
نسخة مختلفة تماماً عن فيلمي 1971 و2005

«ونكا».. نفحات من الأمل والتفاؤل

23:09 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

يبقى للأفلام الاستعراضية سحرها وبريقها الذي لا يبهت مهما تطورت الصناعة السينمائية، ومهما تبدلت أذواق الجماهير على مر الأجيال. «ونكا»، من الأفلام التي انتظر ظهورها عدد كبير من المشاهدين حول العالم، واللافت أن محبي هذه الشخصية، ومنتظري ظهورها في فيلم جديد لم يكونوا من الأطفال فقط، بل شهدت دور العرض حول العالم إقبالاً من مختلف الفئات العمرية، لا سيما العائلات لمشاهدة آخر ما تم اقتباسه من أعمال الكاتب الرائع رولد دال، «ونكا»، فيلم بمذاق حلو عن صانع الحلوى أو بالأحرى عن أشهر صانع للشوكولاتة في قصص الخيال، يرضي الجمهور والنقاد لكنه لا يصل إلى مستوى الإبهار القادر على منافسة فيلم مثل «باربي».

الصورة

مَن من عشاق قصص الخيال لا يعرف شخصية ويلي ونكا؟، التي ابتكرها الكاتب رولد دال، وقدمتها السينما في فيلمين أولهما «ويلي ونكا، ومصنع الشوكولاتة» عام 1971، والثاني «تشارلي ومصنع الشوكولاتة» عام 2005، وفي كل تجربة كان النجاح حليف الفيلم وصناعه، وحليف الكتاب الأصلي، حيث يسرع شبان وفتيات لشراء الكتاب وقراءته قبل أو بعد عرض الفيلم، وفي 2023، قرر المخرج بول كينغ، اختصار العنوان وتقديم نسخة مختلفة تماماً عن العملين السابقين، منطلقاً من شخصية ويلي ونكا نفسها، استعان بالقصة الأصلية التي كتبها دال، لكنه أضاف إليها الكثير من الخيال، وجعل لصانع الشوكولاتة ماضياً ينطلق منه لنعرف من أين أتى، وكيف بنى مصنعه الشهير، وكيف أصبحت «ونكا» علامة مميزة في عالم الشوكولاتة، قبل أن يصل إليها تشارلي ورفاقه، ويدخلون في قلب التجارب الفريدة والمغرية في مصنع ويلي ونكا.

شخصيات جديدة

بول كينغ، تعاون مع سايمون فارنابي، في كتابة هذا الفيلم السينمائي الاستعراضي الرائع، تعرفنا من خلالهما على شخصيات جديدة لا علاقة لها برولد دال، لكنهما نجحا في الحفاظ على أسلوب دال نفسه، لدرجة أنك تشعر بروحه وأفكاره وسعة خياله.. تعيش داخل عالمه وهذه براعة منهما ووفاء للكاتب الأصلي، بل أيضاً وفاء لعشاق رولد دال، وشخصياته المحببة، وهذا لا نجده في زمن السينما الحديثة، التي يتعمد صناعها كسر كل القواعد، وإخراج الشخصيات الطفولية الخيالية من قوالبها الأسطورية الجميلة، وكسر هذا الارتباط الأزلي بين خيال الأطفال، وبين الرومانسية وعالم الأحلام الوردي.

الصورة

يفتتح الفيلم أحداثه بأغنية يؤديها ونكا (تيموثي شالاميه)، من على متن سفينة، يعرفنا من خلالها بنفسه على حكايته ورحلته التي قضاها سبع سنوات يجوب البحار حتى وصل إلى المدينة، التي يحلم ببناء إمبراطوريته فيها، يقول «ليس لدي ما أقدمه سوى الشوكولاتة وقبعة مليئة بالأحلام».. ويلي يحمل في جيبه قطعة من الشوكولاتة مكتوباً عليها «ونكا»، هي كل ما تبقى له من والدته التي تركته وحيداً، وتركت له إرثاً مهماً حين علمته كيف يصنع الشوكولاتة الشديدة التميز، والفريدة من نوعها كما كانت تفعلها قبل أن تتوفى، كما علمته أن يلحق بأحلامه وألا ييأس، وأنها ستكون بجانبه وسيراها حين ينجح في بناء مصنع الشوكولاتة، لذلك يضع ويلي نصب عينيه حلمه الوحيد هذا، ويصمم على تنفيذه مهما كان الثمن.

الصورة

وريث الإمبراطورية

يبدو أن المخرج كينغ، أعجب أكثر بالنسخة الأولى التي قُدمت عام 1971 من بطولة النجم جين وايلدر، إخراج ميل ستيوارت، الذي ركز بشكل أساسي على شخصية ويلي ونكا المرحة، لكن البطل كان قد وصل فيها إلى منتصف العمر، وبدأ يبحث عن وريث لإمبراطورية الشكولاتة التي صنعها واشتهرت لسنوات.. بينما ارتأى كينغ، أن يعود إلى البدايات لينطلق مع ونكا من الصفر، ونعيش معه أحداث بداية حلمه وكيف حوله إلى حقيقة والتفاصيل كلها التي عاشها بحلوها ومرها، ويتميز هذا العمل بأنه يمنح المشاهدين نفحات متوالية من الأمل والتفاؤل رغم كل المؤامرات، التي يتعرض لها ونكا منذ لحظة وصوله إلى المدينة، ووقوعه في فخ السيدة سكرابيت (أوليفيا كولمان)، صاحبة النزل المتواضع، التي تستغل النزلاء وتجعلهم يوقعون على عقد يصبحون من خلاله أسرى لديها، يعملون في مغسلتها تحت الأرض، ولا مخرج أو مفر لهم.. يجد نفسه وسط مجموعة من العمال الأسرى الذين خدعتهم سكرابيت، على مر السنوات، ومنهم الفتاة اليتيمة نودل (كالا لاين)، التي تصبح المساعد الأول لويلي، وهي من تعلمه القراءة والكتابة، وبذكائه الشديد يتمكن من وضع خطة للهروب مع أصدقائه الأسرى، لكنه يواجه عصابة مكونة من أهم ثلاثة تجار في المدينة، سلاغوورث (باترسون جوزيف)، وبليتشر (توم دايفيس)، وبردنوز (مات لوكاس)، يملكون مصانع للشوكولاتة ويتآمرون مع قائد الشرطة لمنع ونكا، من إنشاء مصنعه وبيع الشوكولاتة الساحرة المذاق والقادرة بسهولة على التأثير على الناس.

لا يكمن السحر في قبعة ونكا، والشوكلاتة التي يصنعها فقط، بل في الكلمات والألحان والرقص واللوحات الاستعراضية، التي تذكرنا أيضاً بالنسخة القديمة الأولى لا سيما الأزياء، وشكل ونكا وحركاته. شالاميه الممثل الأمريكي الفرنسي مناسب جداً للدور، خفيف الظل، يليق بالشخصية التي رسمها المؤلفان لويلي ونكا في شبابه، وللمواقف الكوميدية المضحكة التي يمر بها أو يصنعها، وعلى الرغم من قلة خبرته في الأفلام الغنائية الاستعراضية، إلا أنه استطاع النجاح ومنافسة ممثلين اشتهروا بهذا النوع من الأفلام. ديكورات مبهرة بألوانها الزاهية، إيقاع سريع وحيوي، وخفة شديدة في الانتقال من الحوار العادي إلى الأغنيات، فلا تشعر بوقفة ولا بفاصل بينهما.

هذا من حيث الإخراج والتمثيل، أما من حيث المضمون فيتميز الفيلم بتسليطه الضوء على التمييز الطبقي، لا العنصري بأسلوب ساخر، والرأسمالية المتحكمة بالأسواق والاحتكار ومنع التجار الصغار من الظهور والعمل، والغرور والتعالي والعجرفة، التي تتجسد بالتجار الثلاثة، لا سيما بليتشر، الذي يتقيأ كلما سمع كلمة «فقراء»، ناهيك عن سلاغوورث، الذي تجسدت لديه الطبقية بالتفرقة بين ابنة أخيه نودل، وأمها لأنها «فقيرة»، و«قارئة» تقرأ الكثير من الكتب، فتركها على باب ملجأ ليعتقد الجميع بأنها يتيمة ويوهم، والدتها بأن الطفلة ماتت.

في المقابل نفاجأ بأن شخصية «أومبا لومبا»، الخيالية بشعرها الأخضر وقصر قامتها الشديد، التي تعتبر ملازمة ومساعدة لويلي ونكا، هي ضيفة شرف في هذا العمل، ويؤديها بظرف شديد النجم هيو غرانت، ورغم ظهوره في النصف الثاني من الفيلم، إلا أنه استطاع أن يترك بصمة، ويلفت الجمهور، بل إن أغنيته «أومبا لومبا»، انتشرت بسرعة وأصبحت ترند عالمياً، كذلك يظهر النجم روان أتكينسون، المشهور بمستر بين، كضيف شرف بدور كاهن.

هي حلوى

«ليس من الضروري أن يكون للحلوى أي معنى، ولهذا السبب هي حلوى»، هذه العبارة التي قالها ويلي ونكا، لأحد الأطفال الذين زاروا مصنعه واشتهر بها، نتذكرها في هذا الفيلم، وقد أوحى إلينا بنفس مضمونها ومعناها الكاتبان من خلال عبارة كتبتها والدة ويلي، وتركتها له داخل قطعة الشوكولاتة الملازمة له، التي لم يتمكن من قراءتها سابقاً حين كان أمياً، وتقول: «ليست الأهمية بالشوكولاتة، بل بالأشخاص الذين تشاركها معهم»، فيقرر أن يقتسم القطعة الوحيدة المتبقية من صناعة والدته مع نودل، والمجموعة التي ساعدتهما على الخروج من تحت الأرض، وتأسيس المصنع، ولا بد أن يكون الختام مع لوفتي أومبا لومبا، الذي أسس معه مصنع الشوكولاتة، وعينه المسؤول عن التذوق فيه، وبتلك العبارة التي تركتها والدة ونكا، تأكيد على الميزة الأهم في الفيلم، وهي أنه عائلي، ينتمي إلى الأفلام التي تخاطب الأسرة، وتنمي الوعي بمفهوم الصداقة والإرادة والأسرة والعمل والتفاؤل، وينجح دون حاجته إلى اللجوء إلى قصص رومانسية، بل المشاعر فيه إنسانية وعائلية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/549nxdfa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"