عادي
117 مليار دولار حجم الإنفاق العالمي في 2023

حكومات المستقبل ترسم حدود الفضاء بمبادرات بين النجوم

00:03 صباحا
قراءة 6 دقائق
طاقم Crew-6
حكومات المستقبل ترسم حدود الفضاء بمبادرات بين النجوم
مركبة الفضاء الهندية على القمر (أ.ف.ب)

إعداد: هشام مدخنة

لعبت الاستثمارات والتدخلات الحكومية في قطاع الفضاء دوراً حاسماً في دفع الابتكار وتشجيع الاكتشافات العلمية ودعم النمو الاقتصادي للبلدان، ومع اعتماد البنى التحتية الحيوية للحكومات العالمية بشكل متزايد على الخدمات الفضائية، بات لزاماً عليها توفير مصدر موثوق لتمويلها، خصوصاً وأن الشركات الخاصة تجد صعوبة في تبرير استثماراتها طويلة الأجل في القطاع المحفوف بالمخاطر بطبيعته.
في التقرير التالي، نسرد مساهمات الوكالات الحكومية الوطنية والدولية، مثل «ناسا» و«وكالة الفضاء الأوروبية» وغيرهما، في تنسيق وتوزيع التمويل العام، وكذلك استثماراتها ودورها في تعزيز التعاون وتبادل المعرفة في كل ما يخص علوم الفضاء.

  • برامج الفضاء

شهد العام 2023 نمواً في الإنفاق الحكومي العالمي على برامج الفضاء، والذي بلغ مستوىً قياسياً جديداً قُدر بنحو 117 مليار دولار، وهو ما يمثل نمواً بأكثر من 15% مقارنة بالعام الذي قبله، الأمر الذي يعكس التزام الحكومات الراسخ بتعزيز ميزانياتها الفضائية وقدراتها السيادية في المدار، ويؤكد حرصها أيضاً على الاستفادة من توسع اقتصاد الفضاء واستثماراته القيّمة للبشرية.

وفيما يتعلق بالتصنيفات الوطنية، لا تزال الولايات المتحدة تحتل المركز الأول في الاستثمار الحكومي في الفضاء، مع إنفاق أكثر من 73 مليار دولار على الأنشطة الفضائية في عام 2023، ورغم ذلك، انخفضت حصتها العالمية تدريجياً من 75% في عام 2000 إلى 63% عام 2023.

في المقابل، عززت الحكومات الأخرى مخصصاتها المالية على برامج الفضاء، وبينما حافظت أوروبا على أهميتها الراسخة، تضاعفت حصة آسيا في الإنفاق العالمي تقريباً منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مدفوعة باستثمارات الصين الكبيرة والتي تجاوزت 14 مليار دولار العام الماضي 2023، وكانت نحو 12 ملياراً في 2022.

  • وكالات متخصصة

فيما اختار عدد متزايد من الحكومات تحديث نهجها تجاه الفضاء في السنوات الأخيرة، وهو ما ينطوي على التزامات مالية متزايدة، وصياغة استراتيجيات جديدة، وشرع البعض بإنشاء مؤسسات ووكالات فضاء متخصصة، وهو اتجاه يؤكد، بما لا يدعو للشك، اعتراف هذه الحكومات بالفضاء بوصفه استثماراً قيماً يحقق منافع اجتماعية واقتصادية وطنية، ويخدم الأغراض المدنية والدفاعية للكوكب.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، نشأ منطق جديد، تسعى الحكومات من خلاله لتأمين حصة من الإيرادات المتوسعة التي تولدها صناعة الفضاء، وهو ما تجلى بشكل ملحوظ في قارة آسيا، إضافة للمبادرات الجديدة ذات الصلة التي اتخذتها حكومتا نيوزيلندا وأستراليا، وكذلك في الشرق الأوسط، حيث يتنامى اهتمام دول الخليج بالأنشطة الفضائية وما يصاحبها من مبادرات وبحوث علمية.

وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن تستمر ميزانيات الفضاء الحكومية في الارتفاع، مع السعي إلى تحقيق إنجازات مهمة في كل من المبادرات الفضائية المدنية والدفاعية، ومواجهة كل أشكال التحدي والصعاب التي قد تعترض طريق الحكومات الساعية لتحقيق أهدافها.

اكتسبت وكالات الفضاء، المسؤولة عن برامج الفضاء المدنية، وكذلك الأبحاث والاستكشافات، أهمية على مدى العقود الماضية، وباتت اليوم، تتمتع بقدرات الإطلاق والهبوط الكاملة خارج كوكب الأرض، مثل الإدارة الوطنية الأمريكية للملاحة الجوية والفضاء «ناسا»، وإدارة الفضاء الوطنية الصينية «سي إن إس إيه»، ووكالة الفضاء الاتحادية الروسية «روسكوزموس»، ووكالة الفضاء الأوروبية، ومنظمة أبحاث الفضاء الهندية «آي إس آر أو»، إضافة إلى منظمة استكشاف الفضاء اليابانية «جاكسا».

  • ناسا

تُعد وكالة «ناسا» الأكثر شهرة على الإطلاق، فمنذ إنشائها في عام 1958، عملت مع شركاء دوليين لتمكين التوسع البشري عبر النظام الشمسي وخارجه، مما جلب مزيداً من المعرفة والفرص الجديدة إلى كوكبنا الأم، لذلك ليس من الغريب أن تذهب معظم ميزانيتها، البالغة 26 مليار دولار للسنة المالية 2022، إلى العلوم والاستكشاف.

وخلال العام الماضي، حققت الوكالة عدداً من الإنجازات المجدولة على قائمة خياراتها ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، قرار عودة رواد الفضاء الأمريكيين إلى القمر في وقت مبكر من عام 2025، وتعزيز ريادة الحكومة الأمريكية في رحلات الفضاء البشرية بمبلغ 7.4 مليار دولار (بزيادة 687 مليون دولار على السنة المالية 2022).

كما عملت «ناسا» على معالجة أزمة المناخ العالمية بمبلغ 2.4 مليار دولار من التمويل لدعم علوم الأرض وقدرات النموذج الأولي لنظام مراقبة ومعلومات الغازات الدفيئة، بهدف إتاحة البيانات المناخية التفصيلية مجاناً للعلماء وصُناع السياسات في المستقبل.

ودعمت الحكومة الأمريكية، من خلال الوكالة، الوجود البشري المستمر في المدار الأرضي المنخفض داخل محطة الفضاء الدولية حتى عام 2030، وحفزت البحث والتطوير في تكنولوجيا الفضاء لتطوير قدرات المهام وتنمية صناعة الفضاء التجارية، مع زيادة قدرها 338 مليون دولار، بما في ذلك 270 مليون دولار للشراكات الصناعية، و45 مليوناً للطاقة النووية الفضائية، و15 مليون دولار لأبحاث الحطام المداري المبكرة وتطوير التكنولوجيا.

وساهمت «ناسا» عام 2023 في توسيع نطاق انضمام الطلاب إلى تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بمبلغ 150 مليون دولار من الدعم الحكومي المقدم للأقسام ذات الصلة، بهدف إلهام الجيل القادم من العلماء والمهندسين والمستكشفين وتطوير قدراتهم الكامنة.

  • الهند والسباق

من الأمثلة الناجحة أيضاً للحكومات التي تركت بصمتها في سباق الفضاء التنافسي، منظمة أبحاث الفضاء الهندية «ISRO»، مع سلسلة من الإنجازات القياسية في عام 2023، حققت خلالها نجاحات لافتة، بما في ذلك الهبوط التاريخي للمركبة «تشاندريان-3» غير المأهولة على سطح القمر.

واليوم، تستعد الحكومة الهندية، لإطلاق ما لا يقل عن 12 مهمة فضائية ضمن قائمة مزدحمة لهذا العام، وقد أكملت وكالة الفضاء الهندية مؤخراً تجربة رئيسية في مهمتها المأهولة والطموحة إلى الفضاء تحمل اسم «جاجانيان»، في سعيها لتمكين وجود بشري مستدام على بعد 400 كيلومتر من الأرض.

وبعد فترة وجيزة، تم إطلاق المسبار «أديتيا إل1» لدراسة الشمس والتحقيق في ألغاز الأشعة السينية الكونية، ووصل إلى وجهته في السادس من يناير/كانون الثاني الماضي، معلناً بذلك انضمام الهند رسمياً إلى وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ووكالة الفضاء الأوروبية في استكشاف النجم المشعّ للمجموعة الشمسية.

  • الإنفاق الدفاعي

على مر التاريخ، تم توجيه الإنفاق الحكومي في الغالب نحو الاستثمارات في أنشطة الفضاء المدنية، ومع ذلك، شهد العام 2023 تحولاً كبيراً في المشهد، أصبحت خلاله النفقات الدفاعية أولوية.

ويؤكد هذا التطور الدور المحوري للفضاء في عصر يتسم بتصاعد التوترات العالمية، حيث حفز المشهد الجيوسياسي المعقد والمثير للجدل بشكل متزايد الدول الرائدة في مجال الفضاء على تكثيف استثماراتها في قطاع الفضاء الدفاعي.

وبينما زاد تمويل التطبيقات التقليدية، مثل الاتصالات والملاحة ومراقبة الأرض، بشكل مطّرد في السنوات الأخيرة، حدث ارتفاع ملحوظ في الاستثمارات المتعلقة بالأمن والإنذار المبكر.

على الجانب الآخر، لا يزال نمو الميزانيات المدنية، مدفوعاً بشكل أساسي بالبرامج العلمية والاستكشافية المأهولة وغير المأهولة، وبرغم أن الإنفاق لا يزال يتركز بين الدول الرائدة في برامج رواد الفضاء، لا سيما برنامج «أرتميس» الذي تقوده الولايات المتحدة، ومبادرة (IRLS) الصينية، تعترف أعداد متزايدة من الدول بالفوائد الاجتماعية والاقتصادية لهذه المساعي، وتسعى اليوم لتطوير مبادراتها الخاصة.

في يناير/ كانون الثاني 2020، كشفت الهند النقاب عن الروبوت «فيوميترا»، والذي سترسله إلى المدار لمساعدة رواد الفضاء في إتمام أول رحلة فضائية مأهولة، وهناك مهمة مدارية لكوكب الزهرة قيد الإعداد أيضاً، دون أن ننسى استكمال وكالة الفضاء الهندية بنجاح رحلة المركبة «مانغاليان» إلى المريخ عام 2014 لدراسة السطح والغلاف الجوي والظروف المناخية المحيطة للكوكب، لتصبح بذلك الحكومة الآسيوية الأولى التي تستكشف الكوكب الأحمر.

ويرى خبراء الصناعة أن ثقافة فاعلية التكلفة والرغبة في تحمل المخاطر المحسوبة والاستفادة المثلى من الموارد وتوطين المكونات الحيوية، عززت صعود برنامج الفضاء الهندي ودعمت ابتكاراته. وقالت شيلي بيسواس، الأستاذة المساعدة بقسم هندسة الفضاء والصواريخ في معهد «بيرلا» للتكنولوجيا والعلوم في رانشي: إن الهدف الشامل لمنظمة أبحاث الفضاء الهندية تسخير تكنولوجيا الفضاء لتحقيق التقدم على المستوى الوطني، مع متابعة البحث العلمي وتوسيع براعة الهند في استكشاف الكواكب. وأضافت أن الوكالة حققت أيضاً إيرادات هائلة من خلال إرسال بعثات علمية إلى العديد من الدول الكبرى التي تعتمد على قدراتها في برامجها الفضائية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4v75sdw8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"