رفح وتفجير المنطقة

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

وليد عثمان

يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على بلوغ آخر مرحلة من اللعبة الجهنمية في غزة التي يريد بها مد عمره السياسي قدر ما يستطيع؛ لأنه يوقن أنه مع الطلقة الأخيرة في الحرب الدائرة سينتهي دوره في المشهد.

نهاية الدور ليست فقط ما يخيف نتنياهو؛ ففي انتظاره محاكمات مؤجلة منذ ما قبل عملية «طوفان الأقصى» التي صعّدت بها حماس هذه الجولة من العنف، ومحاكمات أخرى جديدة تتصل بالإخفاق في توقع ما جرى أو التهيؤ لتداعياته بشكل شوه الصورة الذهنية لإسرائيل وتفوقها المزعوم على ما حولها.

لذلك كله يذهب نتنياهو بسيناريوهات الرد على ما قامت به «حماس» إلى الذروة، وهي هنا التهديد أو العزم على التعامل العسكري العنيف مع جنوب قطاع غزة؛ أي رفح.

ربما يكون الأمر مجرد تهديد يضغط به نتنياهو وزملاؤه العسكريون على حركة «حماس» وبقية الأطراف المنخرطة في عملية تفاوض تنهي الحرب وتحقق لطرفيها الرئيسيين بعض أهدافهما.

أما إذا كانت النية الإسرائيلية انعقدت على تنفيذ التهديد فإن الأمر سيكون بمنزلة الانتحار الذي بطله نتنياهو بإصراره على أن يحرق نفسه وكل شيء قبل أن يذهب إلى أي مصير ينتظره.

المأزق في رفح سيكون أكبر من كل تجليات الحرب المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؛ فمع كل استهداف في شمال القطاع كان الفلسطينيون في غزة يأوون إلى غيره، ثم فروا تدريجياً إلى الجنوب تحت الضربات الإسرائيلية، رغم أن إسرائيل هي التي كانت تطالبهم بالرحيل بزعم حاجتها إلى التفرد بحركة «حماس» والقضاء عليها مع إخراج المدنيين من المعركة.

ورأينا كيف استهدفت القوات الإسرائيلية الفارين المكدسين في وسائل نقل بعضها بدائي، أو الراجلين تاركين بيوتهم وأمنهم.

وحتى حين أدرك هؤلاء الجنوب اختلقت إسرائيل حججاً جديدة لضربهم وتشتيتهم بعد أن تصور بعضهم أنه بلغ مأمنه.

الآن وقد احتشد أهل القطاع في جنوبه، أو في مساحة ضيقة منه، يريد نتنياهو أن يقفز بالمأساة إلى مرحلة أخطر، ليس على الفلسطينيين الذين ستضيق عليهم دائرة الموت، بل على المنطقة كلها وهي ترى نفسها في مأزق ربما لا سابق له.

لذلك، كان تحذير الإمارات وأكثر من دولة من الإصرار الإسرائيلي على الوصول بالوضع إلى هذه المرحلة التي ستنسف جهوداً كبيرة بُذلت لتحقيق الاستقرار.

وطبعاً، قد يُغوي نتنياهو بالمضي في خطته الانتحارية تذبذب الموقف الأمريكي مما يجري في غزة بين الصمت على توحشه، ثم وصف جو بايدن له بعد أربعة أشهر برد الفعل المبالغ فيه، وبعدها بأيام حديثهما هاتفياً معاً الذي ينطوي على موافقة على خطة مواصلة ترويع الفلسطينيين في رفح.

ورغم أن مكالمة بايدن ونتنياهو جرت بعد زعم أن بينهما مقدمات قطيعة سببها رفض أمريكي لمسار الحرب المتواصلة بلا جدوى، فإن في هذه المكالمة استمراراً للتأرجح الأمريكي أو بالأحرى ميوعة التعاطي مع الملف برمته.

طبعاً، لا تزال مصر صاحبة المأزق الأكبر، وهي تنتظر ما تسفر عنه الساعات أو الأيام المقبلة في رفح. وإذا جرى في رفح ما شهدناه في بقية مفاصل قطاع غزة فستصبح مصر أمام ورطة كبرى تصعّب عليها الاختيار بين السماح بخروج الفلسطينيين إلى أراضيها، وبالتالي تحقق سيناريو التهجير المرفوض فلسطينياً ومصرياً وعربياً على الأقل، أو أن تتركهم فريسة لآلة الحرب الإسرائيلية المتحررة من أي قانون.

ورأينا كيف تعرب مصر عن قلقها من هذا السيناريو، وإشاعة أن تنفيذه يهدد اتفاقية السلام مع إسرائيل، لكن حتى ذلك قد لا يردع نتنياهو المصمم على تفجير نفسه والمنطقة بأسرها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/823dxznv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"