قبل فترة من الزمن، قرأت على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، كلمات لأحدهم، يدعو فيها لإلغاء تدريس وتعليم الجغرافيا، بحكم أنها علم لم يعد له جدوى، وتجاوزها الزمن. والحقيقة أنني أصبت بالدهشة؛ لأن هناك تعليقات كانت تؤيد طرحه، بحجة أنه مجال لا وظائف له، وعموماً هذه طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتحدث الجميع في أي موضوع كان، دون أي مرجعية علمية، أو الاستناد على أسس معرفية وإحصائية ودراسات. والحقيقة أن الجغرافيا علم حيوي ومهم جداً، وأثره مدوٍّ حتى في عصرنا الحاضر، وأقسامه كثيرة ومتنوعة، ويكفي أن نورد تعريفه العام، الذي يتمثل في أنه: «علم يدرس الأرض وسكانها»، ولكم أن تتخيلوا حجم هذا العلم وهو يقوم على دراسة كوكبنا، ودراسة السكان؛ لأن دراسة الكوكب نفسه من الحجم والاتساع والتنوع ما يجعل الجغرافيا أمّ العلوم الحديثة، فكيف وهو يتناول دراسة السكان، ليكون له نصيبه والحظ الأوفر في مجال الإنسانيات؟
صحيح أن الجغرافيا بدأت منذ القدم كموضوع يصف الأماكن والمواقع كما نرى في كتابات الرحالة والمكتشفين الذين يصفون المعالم، والأماكن، وطبيعة البلاد وزراعتها ومناخها، والثقافات، والعادات، لكن هذا العلم له عمقه العلمي أيضاً منذ القدم؛ حيث يقال إن العالم الإغريقي إراتوستينيس، الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد، قد قام بقياس محيط الأرض بدقة كبيرة، بل وضع نظاماً يحدد من خلاله خطوط الطول والعرض. وتواصلت المنجزات في هذا المجال، ففي القرن الثاني أيضاً نشر العالم الإغريقي سترابو كتاباً عن جغرافية العالم، وكان هذا المنجز مرجعاً للدارسين في هذا المجال لقرون لاحقة، ومن إيطاليا نجح العالم مارتن بيادانتس، في القرن الرابع عشر، في وضع خريطة للعالم دقيقة، ويقال بأنها أول خريطة للعالم، ثم توالت الاهتمامات بالجغرافيا، ونمت وتطورت مع الحاجة الملحة لها في مجالات كثيرة، وليس في مجال رسم الخرائط ووضع خرائط لمواقع محددة، وحسب، بل تفرعت ونمت وتوسعت، ويكفي أنه في القرن الثامن عشر نجح العالم الألماني ألكسندر فون هومبولت في وضع أبحاث عن الأرض، وكان عمله هذا هو العمود الفقري لما يسمى بالجغرافيا الحديثة... لا شك أن الجغرافيا علم واسع، ويستحق التعلم والقراءة، ويستحق الاهتمام والرعاية، خاصة في هذا العصر.
